مرايا- محمد فخري – أبوي سافر ع الأردن من وأنا صغير بعمر 3 سنين ، كان يجي كل سنة شهر أو نص شهر ويرجع وصرت أنا الكبير بالبيت ، وين في عرس وين في عزاء أروح وأقوم بالواجب عنه وأسد عنه ، بالمدرسة كنت شاطر ووصلت توجيهي ومعدلي عالي ، حلمي كان إنه أدرس طب بجامعة برا البلد بأكسفورد ، تهيأت أجواء الدراسة بالبيت للتوجيهي ، وصار عنا حالة طوارئ ، أمي كنت لما أطلبها إشي أحكيلها :
” أم بلال أو أم بلبل” وإذا ما بترضى أحكي مع أبوي ع الأردن ، وين ما في مشوار معها بس نفترق أحكيلها ” سلام يا صاحبي” المدير والأساتذة بعرفوني من ورى المسابقات والأنشطة الثقافية والجوائز اللي أخذتها والكل كانت عينه علي شو بدي أعمل بالتوجيهي ، الأستاذ سألني كيف إستعداداتك ؟
جاوبته : آخر السنة بتشوف .

أجتني منحة للدراسة بالأردن قبل ما أنجح والكل كان عارف إنه رح أنجح وأجيب من الأوائل ع غزة ، بمخيم النصيرات ومدرسة خالد بن الوليد بالمخيم كانوا يستنوا فيي أنجح وأرفع روسهم وأكون من الأوائل ، قدمت إمتحانات تجريبية ورحت على الأستاذ سألته عن علامتي ، جاوبني رائعة .
وصار بينا حوار :
أنا بسأله : فوق التسعين ؟
والأستاذ جاوب : آه
رجعت سألته : يعني فوق الخمسة وتسعين ؟
جاوبني : وبعدين معك !
ضحكت ورجعت سألته : يعني فوق الخمسة وتسعين ؟
جاوبني : آه فوق الخمسة وتسعين .
وطلعت من عنده بغني وبدندن
فوق .. فوق .. فوق
كنت جدي وناوي على الدراسة وناوي أجيب معدل بس كنت حاب أستشهد يعني أمنيتي وأمنية أي شب فلسطيني يكون شهيد !
إطلعت على مسيرات العودة بغزة ، بكل جمعة كنت أقرب عند السلك شوي واليهود ما يعملوا اشي ، يطخوا مسيل دموع وغاز ننخنق وننصاب ونروح ع البيت يومين ونتحسن ، قعدت فترة ألمح لأهلي إنه رح أستشهد وكتبت على الكرسي تبعي بالصف :
إذا إستشهدت خلو الكرسي مكانه بلال الأشرم 12 علمي 3 محدش يمسك الكرسي ..سلام الملتقى بالجنة وحطيت حرفي B وحرف صاحبي محمد إسماعيل M ، هسا الحكي هذا والتمهيد كان من ورى اللي بصير كل جمعة قدام عيوني والبني آدمين اللي بكونوا قدامي وفجأة بصير شهيد ، وفي إحتمال بأي لحظة يصير معي هالحكي أرجع شهيد ، بجمعة الكوشوك إنصبت بالغاز وقعدت يومين تعبان ، أمي كانت حاكية الي بس تنجح بدنا نطخلك ونذبحلك عجل ، جاوبتها الطخ رح تطخيلي بس العجل ربنا رح يكتبله عمر جديد ، أجت الذكرى 70 لنكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره وجهزنا حالنا لمسيرة مليونية ، كان التاريخ 15/5/2018 أبوي رن علينا وحكى إنه أروح على عزاء لجيرانا لشهيد من دار دويدار ، حكيت لأمي بدك أغراض ؟ وما إتطلعت فيها وأكدت على الأغراض وحكتيلها :
مشان ما تحكي بلال ما جابهن !
بالفعل رحت ع العزاء وقربت على الشهيد وحكيتله كلمتين بيني وبينه :
هيني لاحقك .
وروحت من العزاء وطلعت ع المسيرة المليونية ، أول ما وصلت الساعة كانت 3 العصر ، 4 رصاصات دخلوا بصدري وببطني حسيت للحظة إنهم من ظهري دخلوا من الوجع والغليان تبعهم ، وقعت على الأرض وهجمت العالم علي يسعفوني وبلشت الناس تصور وتنشر ، أبوي شاف خبر إنه في شهدين مجهولين الهوية ، والأستاذ شاف صورتي ومكتوب عليها شهيد مجهول الهوية وعررفني وحكى هذا طالبي
” بلال الأشرم” بنفس هالوقت أمي قلبها نقزها وصارت تحكي لصحابي بدي بلال هسا، روحوا جيبوه شوفوا وين بقعد بتلاقوه بالعزاء ، ورنت على أبوي حكتله بلال لسا ما رجع ، أبوي كان قارئ خبر عن إستشهاد شابين مجهولين الهوية عرف إنه إبنه واحد منهم ، الناس فجأة عبت البيت عنا وحكوا لأمي بلال إنصاب برجله ، أمي عرفت إنه كل هالناس لإنه في شهيد مش اصابة ، أجت على المستشفى ما كان في محط لرجلها من كثر الناس ، وقفت عندي ع باب الثلاجة وشافتني بدمي عيوني نص فتحة مفتوحات زي العريس اللي سبل عيونه ، وبالفعل كنت عريس مسبل عيوني وفاتح ايدي يحنوها ، المعلمين والمخيم وكل فلسطين زعلت علي ، وبالفعل إنطخلي بس العجل إنكتبله عمر جديد وي ما حكيت ، الكاميرات صورتني بس ما صورت وجع أمي وصحابي وأهلي ، ما صورت التناقض بين الألم والأمل ، المعاناة والإبتسامة ، أمي اللي كانت تستنى خبر نجاحي وتزغرتلي وتفرح ، بس صار اللي صار ، أنا حملتهم بالجنازة على العكس ، ما في حد حملني بالجنازة ؛ أنا حملتهم أخذتهم وإندفنت ، دايماً بروح على أمي بالحلم وبطمنها وببرد قلبها ، وبحكيلها إنه هاي حكاية شعب وبس أروح من حلمها بحكيلها
“سلام يا صاحبي” ..
والكل بسأل :
ليش مسبل عيونه ! على شو بتطلع ؟
ما الذي يراه الشهيد ولا نرآه .
#الشهيد_ليس_رقمًا،
#محمد_فخري_التلاوي