مرايا – تشهد العلاقة بين الحراك الشعبي والسلطات الأردنية توتراً وتصعيداً غير مسبوق، منذ عودة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع قبل نحو 6 أشهر، بعد إقرار حكومة عمر الرزاز قانون ضريبة الدخل، وذلك على خلفية مداهمات أسفرت عن اعتقال عدد من الحراكيين، أبرزهم نعيم أبو ردنية، من قبيلة بني حسن، وأحمد النعيمات العبادي، وكميل الزعبي.

وعلى مدار يومين، وبعد ساعات الإفطار شهدت مناطق قبيلة بني حسن، تحديداً في محافظة الزرقاء، احتجاجات متفرقة، وإغلاقات للشوارع بالإطارات المشتعلة، فيما أطلقت قوات الدرك الأردنية الغاز المسيل للدموع باتجاه المحتجين. كما شهد الدوار الثامن، غرب العاصمة عمان، وقفات احتجاجية.

وأفاد مصدر أمني بأن “الأجهزة الأمنية لن تسمح ولن تقف مكتوفة الأيدي حيال كل شخص يحاول تجاوز القانون أو إحداث الفوضى، أو التجاوز بالشعارات أو الألفاظ أو العبث بالممتلكات العامة والخاصة”، مؤكداً أن “حرية الرأي والتعبير لا تكون على حساب الآخرين ومصلحة الوطن”.

وأضاف المصدر أن “حرية الرأي والتعبير مصونة وفقاً لمقتضى الدستور، ولكل أردني الحق في المطالبة بحياة كريمة أساسها العدل والمساواة والحرية، لكن بأطر وأدوات لا تخالف النص القانوني”، لافتاً إلى أن “ثمّة تغوّلاً مقصوداً لدى البعض في استخدام هذا الحق بطريقة معيبة، عبر تجاوز السقف الذي حدده القانون وكفله الدستور. الأمر الذي يدفع بالحكومة، بصفتها صاحبة الولاية العامة، إلى أن تعلن أنها لن تسمح بالمساس بأمن واستقرار الأردن أو محاولة زعزعة وحدته الوطنية، وستتخذ الإجراءات القانونية لردع كل من تسول له نفسه العبث بها”.

من جهتهم، أكد نشطاء حراك بني حسن، المعروفة بـ”قبيلة المليون”، استمرار التصعيد حتى إطلاق سراح أبو ردنية، وكافة المعتقلين، مشيرين إلى أن “إطلاق سراح المعتقلين سيساهم في وقف التصعيد، لكن الحراك مستمر حتى تلبية المطالب السياسية”.

وحول طبيعة الحراك الشعبي، قال الناشط في حراك ذيبان علي بريزات، إن “هدف الاعتقالات هو إخافة الناس، واجبارهم على الصمت. وهذا قد يؤثر على بعض الأشخاص سلباً ويحدّ من نشاطهم الاحتجاجي، لكن في الغالب يخرج المعتقلون أكثر إصراراً على تحقيق مطالبهم، وأكثر إيماناً بالمبادئ التي يدافعون عنها”.

وأضاف بريزات، الذي سبق أن اعتُقل مرات عدة، أن “الناس تطالب بالإفراج عن المعتقلين، لكن الهدف أسمى وأكبر من الإفراج عن المعتقلين”، معتبراً أن “من يعمل بالشأن العام يقدم كل ما يملك لتحقيق الأهداف الوطنية، في ظلّ تعرّض البلد للضياع، واتساع الهوة بين الرسميين والشعب. كما أن هناك تحدّياً لإرادة الناس، ولا نية حقيقية للإصلاح”.

وأضاف أن “الحراك يهدف لمواجهة الفساد والفاسدين، وعلى الجميع العمل لعودة البلد للشعب كسلطة وكموارد، ونحن مع الحراك السلمي والحفاظ على مقدرات الوطن”، مشيراً إلى أن “الرهان هو على وعي الناس. وهذا يعني ضرورة الوصول إلى المواطنين وإقناعهم بمطالب الحراك حتى يتبعونه”.

وشدّد بريزات على أن “الحراك معني بتوحيد الصفوف، والوضوح في الرؤيا، حتى يعلم الناس إلى أين يذهب الحراك. وهناك حالياً عمل يجري لتوحيد الصفوف بين الحراكيين وبين بعض الأحزاب والناشطين، للخروج بآلية تجمع الحراكيين”، متوقعاً أن “يتم الانتهاء من هذا العمل التنظيمي قبل نهاية شهر رمضان (الثلث الأول من شهر يونيو/ حزيران المقبل)”.

ورأى أن “الحراك يريد من الدولة خطوة واحدة إلى الأمام، ولكن ما يحدث هو السير إلى الخلف”، مضيفاً “نحن غير راضين عن الحكومة والأداء. فالتعديل الحكومي الأخير خطوة إلى الخلف، مع استبعاد وزير الصحة غازي الزبن، وتعيين سلامة حماد وزيراً للداخلية كرمز للقمع”.

وأوضح أن “هدف الحراك هو استعادة الدولة عبر السعي إلى دولة المؤسسات والقانون وقضاء مستقل، وقانون انتخاب يفرز تمثيلاً حقيقياً للشعب، والعدالة الاجتماعية. وكل هذا مرتبط بتغير النهج وحكم الشعب لنفسه”.

واستطرد بريزات قائلاً إنه “في بداية الربيع العربي عمل العاهل الأردني عبد الله الثاني على إجراء تعديلات دستورية، لكن ما أن حصلت الثورات المضادة، حتى تمّ الانقلاب على الإصلاحات، وتمّ استغلال الظرف الإقليمي وإعادة جميع السلطات إلى يد الملك، وأبرزها صلاحيات تعيين مدراء الأجهزة العسكرية والأمنية”.

وذكر أنه “نحن في الحراك نرى أن الدولة تحاول تأزيم الوضع، بالقبضة الأمنية، ونحن نطلب من الحراكيين عدم الانجرار إلى الفتنة. فمن تضعهم الدولة في مواجهة الحراك هم أبناؤنا وإخواننا من المنتسبين لهذه الأجهزة”، معتبراً أن “الكرة في ملعب الحراك، وعليه توحيد الجهود والخطاب”.

بدورها؛ ذكرت النائبة السابقة، الناشطة في الحراك، هند الفايز، أن “الدولة تحارب حرية التعبير، فهناك استدعاءات لمن يشاركون في الاحتجاجات السلمية، شبان وفتيات. وهناك ضغوط وتهديد لثني نشطاء الحراك عن المشاركة بالفعاليات، وأحياناً تصل التهديدات إلى حدّ التلميح بإلحاق الضرر بأقاربهم”، مشيرة إلى “وصول عدد المعتقلين من نشطاء الحراك خلال الأيام الأخيرة إلى 19 شخصاً”.

وأوضحت أن “الحراك لا يخاطب حكومة الرزاز، فالجميع يدرك أنها لا تملك الولاية العامة وهي آخر من يعلم. والمطلوب هو حوار مباشر بين رأس الهرم والشارع”، مشيرة إلى أن “هناك مقرّبين من صنع القرار يعتقدون أن الوسيلة الأفضل للتعامل مع الشعب الأردني هي سياسة العصا والجزرة”.

وأضافت الفايز أن “الحراك يعمل حالياً على تنظيم ذاته، وتمّ خلال الشهرين الماضين تشكيل حركة (مش ساكتين)، فهناك نشطاء غير منتمين للحراكات الحالية، وهم من النقابات والأحزاب والمستقلين، عدا عن مشاركة ثلاثة أحزاب بصفتها الرسمية، وهي حزب الوحدة، والشراكة والإنقاذ، والحزب الشيوعي”.

وتابعت أن “هناك لجنة من الحراك تجتمع بشكل أسبوعي لصياغة مشروع وطني بخطوط عريضة، سيُطرح على الأردنيين”، مؤكدة أن “الهدف هو الحفاظ على الاستمرارية، وخلق حالة من الوعي، وكسر جدار الخوف، والإصرار على تحقيق الهدف”.

ولفتت الفايز إلى أنه “في رمضان الماضي كان هدف الحراك واضح، وهو إسقاط الحكومة، أما اليوم فالمطالب سياسية تتعلق بتغيير النهج. وهناك محاولة وضع أشخاص مستفزين (في إشارة غير مباشرة لوزير الداخلية سلامة حماد)، بهدف حرف البوصلة عن المطالب الأساسية والعودة للمطالبة بسقوط حكومة عمر الرزاز”.

وأشارت إلى أن “مطالب الحراك تتلخص بالعودة إلى جوهر الدستور، واستقلال القضاء والفصل بين السلطات، والحدّ من صلاحيات الملك، وأن يكون الشارع الأردني شريكاً في صنع القرار من خلال قانون انتخاب يمثل بشكل حقيقي خيارات الناس”.

وشدّدت على أنها “متفائلة بالمستقبل، فالشارع العربي يتطور، ومثال على ذلك الجزائر والسودان. مع العلم أن الشارع الأردني لا يطالب بإسقاط النظام، بل بأن يكون شريكاً في صنع القرار”.

ورأت الفايز أن “الشارع الأردني والحراك يقدمان خطاباً أكثر تحضراً من الحكومة وأدواتها”، مضيفة أن “الدولة اليوم لم تعد تحتكر وسائل الاتصال، فلم تعد أدوات الحكومات الإعلامية قادرة على إلغاء مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أداة لكشف زيف ادّعاء الحكومات وفضح تصرفاتها، وفي الوقت ذاته وسائل لنشر الوعي بين المواطنين”.

من جانبه، اعتبر القيادي البارز في الحركة الإسلامية، زكي بني إرشيد، أن “الأزمة للأسف مرشحة للمزيد من التصعيد، والمسؤولية يتحمّلها أصحاب القرار، في المبدأ إن حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتنظيم حقوق كفلها الدستور الأردني. والحراك الأردني السلمي المشروع مستمر في محافظات عدة”.

وأضاف أن “غياب الحوار الجاد بين الرسمي والشعبي، عمّق الفجوة ونزع بقية الثقة بالجانب الرسمي”، مشيراً إلى أن “المطالب والشعارات تعبر عن حاجة الأردن إلى إصلاح سياسي”.

ورأى أن “الأسباب الموجبة للحراك موضوعية وذاتية، سواء كانت المطالب اقتصادية أو سياسية، وفشل السياسات الرسمية في إيجاد حلول للأزمة يعزز من صدقية المطالبة بتغيير النهج، والحراك المعارض مصلحة حقيقية للدولة الأردنية”.

واعتبر بني ارشيد أن “التعديل الوزاري الأخير أكد حالة العبث وعدم الاهتمام أو الاحترام للرأي الشعبي، واستفز جميع المكونات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بعد التصريحات التي أطلقها الملك عن وجود ضغوط وتهديدات للأردن، بالتالي أصبحت الضرورة أكثر إلحاحاً في الحوار مع المعارضة لا الاعتقال”.

هذا، وأصدرت العديد من الجهات ومؤسسات المجتمع بيانات تنتقد سياسة الاعتقالات، فقد استنكر حزب جبهة العمل الإسلامي ما وصفه بـ”استمرار نهج الاعتقالات بحق عدد من المطالبين بالإصلاح والنشطاء السياسيين”، مطالباً بـ”طي صفحة الاعتقالات السياسية والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي”.

وأضاف الحزب أن “استمرار الحكومة في سياسة تكميم الأفواه وقمع الحريات والرأي العام، يعيدنا إلى مرحلة الأحكام العرفية التي يرفضها الشارع الأردني ويزيد من حالة الاحتقان الشعبي الذي تفاقم بسبب السياسات الحكومية التي تستهدف المواطن وحرياته التي كفلها الدستور، في ظل ما تتطلبه المرحلة الحالية من تمتين الجبهة الداخلية وتعزيز التلاحم الشعبي، على وقع ما يواجهه الأردن من تحديات”.

من جانبه، قال حزب الشراكة والإنقاذ، إن “ما يجري هو حملة أمنية تستهدف إسكات الأصوات المعارضة للنهج القائم، سواء بالاعتقال أو الاستدعاء أو توجيه التهم بمخالفة قانون الجرائم الإلكترونية سيئ الصيت”، مضيفاً أنَّ “ما يجري من اعتقالات وممارسات هو ضرب من ضروب صناعة أعداء للأردن من أبنائه الحريصين عليه والمنتمين له، بدلاً من بناء حبهم له والتفافهم حوله”.

كما حذّر التيار الديمقراطي التقدمي من سياسة التأزيم والتوتير “التي بدأت تأخذ منحى خطيراً والتي تدفع البلاد نحو السياسات العرفية، وما قد يترتب على ذلك من ردود فعل تعرض الأوطان للأخطار وتمس بالسيادة الوطنية”.

(المصدر: العربي الجديد)