مرايا – عمر كٌلاّب – لا يكاد تعليق على خبر يخلو من كراهية او احد مشتقاتها، حتى بات الخوف يسيطر على المجتمع من نشر خبر وفاة او تهنئة او امنيات شفاء لمريض، تحديدا اذا كان المقصود بالخبر شخصية عامة وتتضاعف المخاوف اذا كان المقصود على رأس وظيفة حكومية، ولعل ثقافة الكراهية ليست جديدة فمنذ ستينيات القرن الماضي ظهر كتاب سعد جمعة بعنوان مجتمع الكراهية، فهل نحن كمجتمع نحمل هذه الصفة في الجينات ؟ او انها ثقافة مكتسبة بحكم عوامل متعددة ؟ او انها فيروس انتشر بين النخبة السياسية وطبقة الكريما وانتقل الى المجتمع الاردني ؟ .
يمكن الاستكانة الى نفي العامل الجيني، وازالة مفاهيم الفداء والتضحية والايثار ايضا كموروث جيني في العِرق العربي، فلو كانت هذه الاوصاف صحيحة لما تغنيّنا بها وافردنا لها مساحات واسعة من الاغاني والامثال الشعبية والاشعار والقصص، فالمألوف والمعروف حكما لا يتم الحديث عنه بكثافة، فالطبع البشري يميل الى التحدث عن نواقصه وليس عن السائد عنده، وحتى القيمة الاجتماعية تكون اعلى للسلعة النادرة او المعدن قليل التواجد في الطبيعة، فالذهب يُباع بالغرام والحديد يٌباع بالاطنان، والامثلة كثيرة .
وللبقاء في دائرة السؤال ومحاولة الاجابة عنه، اكاد اجزم ان الفيروس انتقل من الطبقة السياسية الى المجتمع، فالمغلوب اكثر انحيازا الى غالبه ويأخذ صفاته ويحملها كعلامة اختراق طبقي ،فيحصل المرافق او الحارس لشخصية مرموقة على مهابة واحترام تفوق حجم مساحته الشخصية او لو انتقل للعمل كحارس ليلي او مرافق لشخصية اقل تراتبية، فنحن مجتمع مسكون بالسلطة وظلالها ونسعى للبقاء على حوافها على الاقل ان غادرناها او غادرتنا، فولائم المسؤولين وجاهاتهم تحظى بالحضور والعتب ان تجاوزتنا الدعوة .
ملامح الافتراق بين المسؤول والمواطن ضاعفت مساحة الكراهية، بعد ان اصبح المنصب العام طريقا للثراء والاثراء وكأن العلاقة طردية بين الكراهية وخطابها والمنصب العام، فكل حاصل على منصب يقع في مرمى الكراهية، وقبلا كان يقع في مرمى قذائف خبثاء الحي او القرية الذين يتندرون عليه بعد مغادرته الجلسة او يغمزون عليه في حضوره، وكان اعلى تشهير ممكن هو تذكير المسؤول بمهنة والده او اسم والدته وترتفع الوتيرة اذا حمل الوالد والوالدة القابا كان المجتمع يمنحها دون وصفة طبية وباقل كلفة ضميرية .
تطور منافع المنصب وتراجع الثقة بالمسؤول وسلوكه الانفصالي عن بيئته راكم الكراهية وجعلها تبدو مبررة في مواضع كثيرة، وبقي المرض والموت بعيدين عن مرمى القصف، الى ان تفاقمت الازمة اكثر وتحول الانفصال الى اغتراب خلال حقبة الحراك الشعبي الذي غافلنا جميعا وأخرج اقبح ما فينا وللانصاف لم يصنعه، بل سمح له بالخروج من دواخلنا، دون ادنى مراجعة لحجم الكراهية وعمرها وتناميها، وقد شاهدنا كيف منح الحراك الشعبي صكوك براءة لمسؤولين سابقين وادان غيرهم لمجرد الاقتراب او الابتعاد عن الحراك ذاته، مما يؤشر على ان الخلل في المنصب ومستحقاته واستحقاقاته ، مما يعني ضرورة ان نراجع مفهوم الوظيفة العامة بوصفها خدمة وليست مكافأة كما هو الواقع الآن .