” الى روح الشهيد علي قوقزة “

مرايا – عُمر كُلّاب – لا تليق المراثي بالشهداء , لكنه وجع الرحيل وتلك اليتيمة في بطن امها بعد , سيروي لها الجد قصة الشهادة وستروي الجدة حكاية علي , وستنظر الطفلة في الصورة كي تحاول جمع الصورة مع الحكاية , وستقوم الجدة بالغناء والترويدة ” يا شعرك الناعم يُمّه , يا جبهة مرفوعة ” , وستغص كلماتها في الحلق ولا تُكمل الترويد والحدّاء , فشمال القلب يفوح بالاغاني والدبكة والموال , لكنه وَجد الامهات على الرحيل ودموع الاباء المالحة وشهقات الاخوة والاخوات .

” يا علي , عليتني وأقفيت خذني معك لا تخليني ” , ستبوح الام بهمس المؤمنين وصبرهم , فثمة من ينتظر مع عسعسة الليل قدومك , حاملا سفط الحلقوم وبعض بسكوت ” ماري ” , فنحن ابناء القرى والمخيمات لم نتعرف على غير هذه الحلوى , وربما يكون سفط الناشد اضافة كبرى , اذا كانت الاجازة متزامنة مع الراتب , يا الله الى متى سنبقى لا نعرف من الحلوى سوى حلاوة الشهادة ومرارة الفراق الدائمة .

يا علي , منذ ارتقيت الى ربك في عليين ,عليتنا ورفعتنا الى حدود السماء , لكنك عليّت قلب امك وابيك , وكل بيت اردني , فقد نذرناك يا ولدي للشهادة نعم , لكن ليس بفعل جبان , نذرناك هناك على حواف الاقصى او ثرى الاوطان , في حرب ترى فيها خصمك , آسف , لو رأى ذاك الجبان ما تقدح به عيناك من شرر الرجولة لولّى هاربا , هم هكذا يا بُني , يقتلون غيلة ويهربون مثل خُلد في اسفل الارض التي نعرفها ونحرسها .

علي قوقوزة من نفس جيل ولدي مؤاب , فأغفروا حزني عليه , ووجعي على صورته التي فيها شبه كثير من ولدي , وهو ولدي ايضا , فالخميس بالضبط كنت في سوف ارقب شجرات اللزاب في مزرعة الخال عبد الله العتوم , وربما مررت من باب بيته وانا لا اعرف , ولكنني قضيت من الليل وطرا في سوف بفضلك انت وزملاء دربك ورفاقك في السلاح , يا ويلنا كم ضحكنا انا ومحمد العجلوني واحمد سلامة وصبري اربيحات , لم نكن نعلم يا بني انك ستغادرنا صباحا دون ان تمنح ابنتك التي في بطن زوجك اسمها

يا علي , ثمة وجع جنوبي ينتابني حد القهر , وانا المولود في اقصى جنوب فلسطين , وهوا شمالي أخذني الى المقبرة , غادرت دون سلام على أحد , عزيت نفسي فيك , وقفلت الى عمان باكيا , يا الله كم تشبهنا يا علي , ويا الله كم كنا قساة عليك وعلى رفاقك في السلاح والوجع , فقد منحنا كل الثروة للسياسي القابع تحت لهيب الكونديشن والراتب صاحب الحرارة المرتفعة , وتركنا لكم ما تيسر من حياة فتركتم لنا الحياة كلها .

يا علي إحرص , هكذا قال قلب الام في كل نفس من انفاس الصبح وهي تودعك , والآن يقول لرفاق سلاحك ولنا جميعا , لن يبرد الدم قبل الثأر , فكل القاتل لا يساوي ظفر القتيل , فلا يكفينا القاتل وحده ولن يكفينا الا بتر الايادي وتقطيع الاوصال لكل من ساهم وشارك ونشر ثقافة الموت والدمار , فسلام على روحك يابني ما دام السلام , وسلام على الدرك وفرسانه وكل فرسان جيشنا العربي واجهزتنا الامنية , ولك السلام.