مرايا – عمر كلاب – لا يخلو موسم برلماني من فتح موضوع الابار الجوفية , تارة لتصفية سياسية بين الوزراء , وتارات لابتزاز نيابي لوزير المياه , فرغم ان الابار الارتوازية تسيّج حدودنا الشرقية والشمالية في دول الجوار الا انها ممنوعة على مواطننا الاردني , فهل حلال لبلابله الدوح حرام على الطير من كل جنس ؟ سؤال نضعه في البداية كي نبدأ نقاش هذا الملف الشائك وتحديدا في الاحواض المائية المشتركة مع الجوار العربي والصهيوني , وفي غيرها من المناطق , بعد ان بقينا اسرى لموقف وزير مياه اسبق أرهبنا من قصة الابار  وخطرها على المياه الجوفية , التي باتت منهوبة بالابار المخالفة ومن الجوار الذي فتح الابار لكل راغب من مواطنيها .

بداية تُشير ارقام شبه رسمية بأن عدد الابار المخالفة في الاردن على مشارف 15 الف بئر , تشفط من المياه ما تريد دون حسيب او رقيب , وبما أن الخزينة خاوية وبما ان الانقلاب المناخي الذي يحدث كل 30 سنة قد بدأ فعليا , وعليه فإن ترخيص الابار يمنح الخزينة دخلا مشروعا , بالاضافة الى توقيع اتفاقية مع اصحاب الابار بمنح الشبكة الرئيسية ما نسبته 15% من هذه الابار وايضا تقوم وزارة المياه بوضع عدادات على تلك الابار وهذه ترفع عوائد المياه التي باتت مهددة بعدم القدرة على دفع كلفة انتاج المياه في ظل استحالة قدرة الحكومة على رفع اسعار المياه , في ظل الظروف العصيبة على المواطن والمستثمر ايضا .

ان الشروع في ترخيص الابار سيمنح قطاع الزراعة دفعة ايجابية من خلال القدرة على تنويع الانماط الزراعية واعادة احياء الزراعة النوعية او الزراعة التأجيرية وزراعة حسب طلب الاسواق العالمية , لرفع مساهمة الزراعة في الدخل القومي , ولضمان عودة الاردنيين الى العمل في هذا القطاع الوطني والحيوي , بعد ان عزف المواطن الاردني عن العمل في هذا القطاع الحيوي , لتقلّب اوضاعه واندار مردوده , بفعل عدم توفر الموازنات المائية اللازمة , ناهيك عن انعكاس ذلك على الصناعة والثروة الحيوانية التي تراجعت نسبها وانماط انتاجها الى نسب مقلقة .

الارهاب الذي انتجه وزير سابق من الابار الجوفية , ربما تصلح في ظروف سابقة , رغم ارتفاع نسبة الابار المخالفة والتي لم تستطع الدولة ضبطها , خلق حالة فوبيا لدى كل وزراء المياه من الاقتراب من هذا الملف , وبقيت الوزارة اسيرة ثقافات سابقة وقديمة , لا تراعي التغيرات والحاجات الوطنية المُستحدثة , فالزراعة النوعية او التمويلية وبفضل التطورات الهائلة باتت تحتاج الى موازنة مائية محدودة قياسا بالسابق , ولا بديل عن العودة الى الزراعة للخروج من حالة الركود الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة وتاليا الفقر وتحسين مستوى معيشة المواطن الاردني .

ان اغلاق ملف الابار بالترخيص سيعزز من مقدرة الوزارة على ضبط قطاع المياه ووقف النزيف الهائل في سرقة المياه والضخ الجائر , وسيرفع من سوية الزراعة , واليوم باتت الرقابة على عدادات المياه من المكاتب بل من كمبيوتر محمول , لمن يخشى غياب الرقابة او انفلات الامور , وحتى نكون منصفين فإن تجربة وزارة المياه والري وعبر سنوات طويلة هي تجربة رائدة , لكنها بحاجة الى تطوير وتحديث على ضوء المتغيرات المناخية والمائية ولا يجوز البقاء في دائرة الارهاب التي خلقتها الوزارة في فترة سابقة , فالقرار ابن بيئته وابن ظروفه المتغيرة وبات لزاما على الوزارة احداث نقلة نوعية في هذا القطاع .