مرايا – عمر كلاب

كم عُمر هذا الغضب ؟ ليس السؤال استنكاريا , وليس السؤال إستقراضا من السياسة وحالة العداء للكيان الصهيوني كما كان سؤال المرحوم محمد حسنين هيكل , بل هو سؤال استفهامي لدولة بكل رجالاتها وتكويناتها , سؤال لحكومة واجهزة ومؤسسات وجامعات , عن عُمر هذا الغضب في مجتمعنا وحجم الكراهية والبغضاء المصاحب للغضب , بحيث يقتل الاخ اخاه , ويقتل ابنة الخالة رفيق دربه وابن خالته , ولربما في مجتمعاتنا الخالة اقرب الى القلب لاسباب متباينة , واهمها انها رائحة الام وذائقتها .

والسؤال الاعمق , عن حجم الغضب في رمضان , شهر الخير والرحمة والعتق من النار , فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار , فهل نستأذن الله بأن يطلق سراح الشياطين الذين يتصفدون في رمضان , لأنهم اقل قسوة من البشر , وانهم اقل حاجة للدم المسفوح من الاشقاء والاقارب , هل نبتهل الى الله بدل تقبل الصيام والقيام ان يُخلي سراح الشياطين دون كفالة , فقد تكفل البشر بتقديم نماذج اكثر سوءا من الشياطين وافعالهم , بل فاقوا الشياطين في القسوة والتدليس والغش والقتل وكل الموبقات وفي شهر الخير والرحمة شهر رمضان المبارك .

كم نحتاج الى وعي ومحاسبة , كي نُقيل مسؤولين عن ارتفاع حجم ونوع واعداد الاسلحة في بيوتنا وفي ايادي الشباب والجهلاء والنساك والفجار والتجار والمقاولين , بسبب او بدون سبب ,كم نحتاج الى انهاء ثقافة المغالبة بين افراد المجتمع , في السياسة وفي الاقتصاد وفي اطلاق العيارات في الافراح وفي الطوشات وفي حفلات التخريج وفي كل مناسبة اقرب الى الفرح , فنستعمل اخشن اشكال التعبير عن الفرح وأسوأ السلوكات البشرية , مستحضرين كل جفاف الصحراء وخشونة البداوة , وكأن المدن في بلدنا كاذبة وكأننا لم نعرف عن القانون والدستور والعلاقات المدنية شيئا .

كل تصرفاتنا افراز لثقافة المغالبة السائدة والمسيطرة على عقولنا , السلطة تتعامل مع المعارضة بالمغالبة وكذلك المعارضة مع المعارضة الاقل حضورا ومع السلطة اذا تبدلت الاحوال او استشعرت بعض تقدم , حتى العلاقات الزوجية مغالبة , والبرامج الحوارية مغالبة , فعلى مدار اكثر من عقدين على ظهور البرامج الحوارية في بلداننا , فما زلنا نسمع نفس المصطلح ” طحنه او بطحه ” في التعليق على الحوار بين شخصيتين , ولا احد يتحدث عن الفائدة المتحققة من الحوار او اي الطرفين منح المتلقي معرفة او معلومة اكثر .

اليوم هذا الغضب , ينهش وجداننا , ينهش ارواحا عزيزة وشبابا بعمر الورد , ينهش علاقات انسانية راسخة وروابط دم موصولة بالرحم وصلته , دون ان يرمش لنا جفن , او ان نبادر ولو بردة فعل غرائزية للمحافظة على النوع , وكاننا بحاجة الى اعادة تحميل الغرائز الانسانية , او اعادة تشغيل لمشاعرنا وآدميتنا , فقد استهلكتنا الآلة الحديثة والتواصل الافتراضي , واصبحنا ماكينات تعمل على الشحن , ولربما نفد رصيدنا الانساني بحيث لم نعد قادرين على اكمال اتصال واحد لارواحنا وغرائزنا البشرية .

ليست القصة متعلقة بقانون وعقوبة , بل القصة غائرة في ثقافتنا وفي وجداننا , وتمت رعايتها وسقايتها من كل اركان السلطة , المنتشية بهذه الثقافة الصحراوية القائمة على التعبير الخشن والمغالبة في الفرح , فالصحراء والبداوة لا تعرف تبادل السلطة الا من بوابة السطوة , والسطوة تحتاج الى سلاح وغزو ورصاص , فيما تحتاج المدينة الى ثقافة صناديق واصوات , ولكم ان تعرفوا الفرق والاثر سادتي الكرام .