مرايا – منذ عقود طويلة، والمملكة الأردنية الهاشمية تواصل وصايتها على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، متحدية كافة المحاولات الإسرائيلية لنزع تلك الوصاية منها.

ويعود تاريخ الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس إلى العام 1924، عندما “عقدت البيعة للشريف حسين بن علي للوصاية على المقدسات في المدينة”، بموجب قانون أقره الانتداب البريطاني قبل انتهائه، إذ كانت الأردن، آنذاك لا تزال تحت سلطة الانتداب البريطاني مع منحها حكمًا ذاتيًا.

وبعد عام 1948 وضمّ الضفة الغربية والجزء الشرقي من القدس إلى الأردن، استمرت هذه الوصاية، وأعلن الحاكم العسكري الأردني استمرار سريان القوانين والتشريعات الأخرى المطبقة في فلسطين دون أن تتعارض مع قانون الدفاع عن شرق الأردن لعام 1935.

ولم تنقطع تلك الوصاية مع احتلال كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس في حزيران/يونيو 1967، ولم يتخل الأردن عن دوره التاريخي في السيادة على المقدسات حتى بعد فك الارتباط الذي اتخذه العاهل الأردني الملك حسين عام 1988 بإنهاء ارتباط الضفة الغربية إداريًا وقانونيًا مع الأردن، حيث كان يعرف هذا الارتباط باسم “وحدة الضفتين”.

وفي 26 أكتوبر 1994، وقع الأردن مع “إسرائيل” معاهدة السلام المعروفة باتفاقية “وادي عربة”، والتي أكدت في المادة التاسعة احترام “إسرائيل” الدور الأردني الحالي في الأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي “إسرائيل” أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

وعزز الاتفاق الذي وقعه الملك الأردني عبد الثاني والرئيس محمود عباس بعمان في 31 آذار/ مارس عام 2013، حق ودور الأردن بالوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات، وأكد احترام الأماكن المقدسة في المدينة وإدارتها وصيانتها.

وتضمن هذا الاتفاق منح الملك الأردني الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ على المقدسات، خصوصًا المسجد الأقصى، “المعرّف في الاتفاق أنه كامل الحرم القدسي الشريف”.

تزايد أطماع الاحتلال

لكن مع تزايد الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى واستمرارها، وقع الأردن و”إسرائيل” في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، اتفاقًا فرعيًا حول المسجد برعاية وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري.

ومن ضمن ما نص عليه هذا الاتفاق أن تحترم “إسرائيل” الدور الخاص للأردن كما ورد في اتفاقية السلام بين الطرفين، و”الدور التاريخي للملك عبد الله الثاني”، وأن تستمر في تطبيق سياستها الثابتة فيما يخص العبادة الدينية بالمسجد، بما فيها الحقيقة الأساسية بأن “المسلمين هم من يصلون”، وبأن “غير المسلمين هم من يزورون”.

وتشرف دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية على إدارة شؤون المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا، وكافة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بما فيها أكثر من 200 مسجد بالمدينة، وفق ما يقول نائب مدير أوقاف القدس ناجح بكيرات لوكالة “صفا”

ويوضح بكيرات أن ألف موظف مقدسي ما بين حراس وسدنة وأذنة وأئمة ومدراء وعمال ومهندسين ومعلمين ومعلمات وغيرهم، يعملون في دائرة الأوقاف ويتبعون إداريًا لوزارة الأوقاف الأردنية، حيث يتقاضون رواتبهم من الأردن.

وتُولي الأردن من خلال لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، والتي شكلتها بموجب قانون، عناية كاملة بالمسجد وتجري أعمال ترميم وصيانة فيه بشكل متواصل، بما يضم من قباب ومصليات ومحاريب ومصاطب وغيرها من المعالم الحضارية.

وتعتبر الوصاية الأردنية-وفق بكيرات-الدرع الواقي والسند الوحيد لحماية ورعاية المسجد الأقصى خاصة والمقدسات عامة، والتي تتجسد تاريخيًا وقانونيًا وإعلاميًا من خلال مزاحمة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لإجراءاته في الأقصى والقدس، والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة.

وتتمثل تلك الوصاية في رعاية وصيانة الأقصى وإعادة إعماره وترميم معالمه، وكذلك توثيق وإدارة وصيانة الأوقاف الإسلامية، والقضاء الشرعي في القدس بأكمله، ويتبع جميع موظفي الأوقاف بالقدس وحراس الأقصى إداريًا للأوقاف الأردنية.

وتعتبر “إسرائيل تلك الوصاية حجر عثرة في طريقها، لذلك تريد التخلص منها، حتى تتحلل من كل الاتفاقيات التي وقعت عليها”. يقول بكيرات

وتستهدف سلطات الاحتلال الدور الأردني وتعمل على محاربته بكل الوسائل، وذلك من خلال تعطيل تنفيذ معظم المشاريع بالأقصى واستهداف موظفي الأوقاف وملاحقتهم وزيادة الاقتحامات والاعتداء على الأقصى ومحاولة تجسيد سيادتها عليه، وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، بالإضافة لمخططات تهويد القدس.

وحاولت مؤخرًا التدخل في صلاحيات الإعمار بالأقصى، عندما استأنف عمال إسرائيليون العمل على نصب السقائل على الحائط الجنوبي للمسجد في منطقة القصور الأموية، تمهيدًا لبدء العمل على ترميم الحائط الخاص بالمسجد.

ويشير بكيرات إلى أن “إسرائيل” خالفت كل القوانين الدولية، ولا تزال تسعى جاهدة لسحب وسرقة الدور الأردني وإلغاء الوضع التاريخي الراهن بالأقصى.

صراع قائم

ومنذ عام 2000، صدرت أصوات إسرائيلية كثيرة في الكنيست تطالب بسحب تلك الوصاية وإنهائها، والتي كان أبرزها تصريحات وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان الذي دعا “مرارًا وتكرارًا لإنهاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، وكذلك دور الأوقاف”.

ويضيف بكيرات: إن “الصراع والمعركة ما بين الوصاية الأردنية والسيادة الإسرائيلية على من يدير المسجد الأقصى ومن يملك السيادة فيه لا تزال قائمة، وتحاول “إسرائيل” دومًا أن تنفرد بها، بشكل قد يضعف الدور الأردني، كون الأردن بعيدة عن واقع الأرض وإن كانت موجودة في الواقع البشري”.

وبنظره، فإن “أي محاولة سواء كانت عربية أو إسرائيلية أو غربية لنزع الوصاية الأردنية عن المقدسات هي تشكل ضربة صاعقة للقضية الفلسطينية عامةً والمسجد الأقصى خاصةً”.

واعترف المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية من خلال جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بالوصاية الأردنية على المقدسات، بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة ومنها منظمة “اليونسكو”.

وكثيرًا ما أكد الأردن رفضه القاطع لأي تغيير في وضع المقدسات والقدس، وشدد على موقفه والتزامه الثابت بالدفاع عن المقدسات والحفاظ على هويتها العربية، وتكريس كل إمكاناته للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة، انطلاقًا من وصايته التاريخية.

وحول المطلوب لاستمرار هذه الوصاية، يؤكد بكيرات ضرورة العمل على تفعيلها ودعمها، لكي تكون أكثر فاعلية على الأرض، مع الوقوف بجانب موظفي الأوقاف، باعتبار أنهم يشكلون “رأس الحربة” بالدفاع عن الأقصى.

ويشدد على أن الوصاية بحاجة لروافد عربية إسلامية ودولية وسياسية وبشرية كي تقويها وتستمر حتى تستطيع أن تجابه التحالف الصهيوني الأمريكي.