مرايا – عُمر كٌلّاب

ألهبت عقولنا وخيالنا بمبادراتك وحكمتك والهبوا ظهورنا بالضرائب والاتاوات

صنعوا سقفا بلاستيكيا غير قابل للنفاذ بيننا وبينك وخرقته جلالتك باوراقك ومقالتك

 

استأذن أن أبدأ المقالة على شكل بَوح , فأنا ممن تم تصنيفهم بأنهم من ” السحيجة ” وهو مصطلح طغى ونما في مرحلة الحراك الشعبي الذي حمل اسم الربيع العربي , وجاء الوصف او السمة لأنني حملت راية الدولة والملك في تلك المرحلة العصيبة , واعتبر نفسي من عسكر التاج , ولا يضيرني وصف الواصفين , هذه بداية التأسيس في الرد على مقالة الملك , اي ان الرد من نفس المدرسة الفكرية وليس من خارجها , فالهاشمية رسالة وفكرة ومدرسة , وانا انتمي اليها بوصفها حاضنة للافكار , فهي تقبل اليساري واليميني والوسطي , وانا يساري داخل الفكرة الهاشمية .

مقالتك سيدي صاحب الجلالة في وقتها تماما وتستوجب النقاش وليس التهليل والتطبيل , وحُسن الاستقبال لها , بنقاشها وتحليل مضمونها , كما الاوراق الملكية , التي انحازت مدرسة اليمين في السلطة الى التهليل لها دون نقاشها , والمقالة تستوجب التحليل والنقاش ولا تستوجب التهليل وإن كانت تستحقه بوصفها فاتحة نقاش وطني حول موضوع شائك ومُلتبس واقصد التواصل الاجتماعي ومنصاته التفاعلية , التي وفرت لصاحب القرار فرصة مجانية لمعرفة توجهات الرأي العام وقياس منسوب رضاه او عتبه وغضبه .

وحتى ننصف الحالة فإن الاردنيين مفتونون بالتحليل وابداء الرأي بحكم المكاتفة لكل المناطق الساخنة , العراق وحروبها وطوائفها , سورية ونمط قيادتها وبعثها الآخر وفلسطين ووجعها الدائم في الوجدان الاردني , والسعودية وظلالها , فعاش الاردنيون مع السياسة بالنشأة والتنشئة , ولذلك لا غرابة في استخدامهم هذه المنصات للتعبير والتفكير والشطط احيانا , فهذه البيئة السياسية رافقها ضمور حزبي عام , بحيث نمت الاحزاب في الاردن , على حواف القومية والشمولية والقضية الفلسطينية , ولم يتخلق في الاردن حزب برامجي او تفاعلي , يوفر الاجابات للاردنيين , فكان كل فرد حزب وتشكلت جماعات تسعى الى التأثير والضغط ووفرت منصات التفاعل للمواطن فرصة التعبير عما يجول بخاطره , فحررنا فلسطين بكبسة لايك او بوست على حائط واسقطنا حكومات وانظمة ونحن جالسين على مقاعدنا وبرز حزب الكنباية او الجاعد لا فرق كأبرز حزب في الاردن .

لكل ما سبق وفرت منصات التفاعل الاجتماعي فضاء حيويا للاردنيين , استثمرته الاغلبية في التعبير الحيوي واستثمرته الاقلية في التعبير السلبي ودخلت جهات صنع الاعتقاد من هذا السيق الضيق , مستثمرة في تغول السلطة على الدولة , والعبث بارادة الاردنيين في الانتخابات البرلمانية والبلدية , واقصاء كل مخالف من داخل المدرسة الفكرية الهاشمية قبل الآخرين , بل انها نهشت لحم الدولة وادارت ظهرها للناس عموما , فتراجعت الادارة الى ادنى مراتبها وترافق ذلك مع تراجع الخدمات والصيانة المستدامة للافكار قبل الشوارع والجسور وحافلات النقل العام , فتراجعت الثقة ووصلت الى ادنى مستوياتها في كل ما هو رسمي .

واضافت الخصخصة التي أخذت شكل الصلصة في بعض المواقع والقطاعات ملحا على جرح الاردنيين في تراجع الخدمات وضمور رسالة الدولة , بل ان الأمر تعدى ذلك الى محاولة خلق فجوة بيننا وبينك يا صاحب الجلالة , حيث نجحت طبقة الحكم في صنع سقف بلاستيكي بيننا وبينك غير قابلة للنفاذ , فما نريده منك يعود الينا وما تريده منا لا يصل , فشكرا للاوراق الملكية النقاشية وشكرا لمقالتك التي اوضحت فيها انك تنتظر رأينا وتفاعلنا معها , لخرق هذا السقف البلاستيكي بيننا وبينك.

ان السلطة يا صاحب الجلالة لا تؤمن بالرأي العام ولا اجازف او اغالي ان قلت انها ترانا بمنطق العوام وليس بمنطق الرأي العام والفرق بين المصطلحين كبير وعميق واسس لشرخ في العلاقة بين الدولة والمواطن حيث اختلط عليه – المواطن – مفهوم السلطة ومازج بين هذا المفهوم ومفهوم الدولة وانت يا سيدي اول من اضاء ذات خطاب شهير مفهوم النظام ومعناه يوم كانت الحناجر العربية تهتف في الميادين لاسقاط الانظمة ولم يتسلل هذا الخطاب الى مياديننا وشوارعنا بحمد الله وحكمة عبدالله حماه الله , رغم كل محاولات بعض اليمين في السلطة والمعارضة لجذب الاردنيين لهذا الشعار , السلطة بغيّها وادارتها الظهر لمطالب واوجاع الاردنيين الصادقة في الاصلاح والتطوير , والمعارضة باشتمامها رائحة الشواء في بعض الاقطار القريبة والبعيدة .

إن الاردنيين يا سيدي مؤمنون بيقين , انهم ابناء الدولة بأضلعها الثلاثة او اقانيمها الثلاثة ” الشعب والعرش والجيش ” ومؤمنون اكثر انهم ينتمون الى دولة قوية منيعة , تستحق الافضل والاحسن وتمتلك من الكفاءات والريادة ما يؤهلها لذلك , فهناك شعب مؤمن وصابر وملك حكيم وثائر وجيش محترف وقادر , لكن – وقاتل الله لكن – لدينا ساسة ووحكومات اوصلتنا الى الكفر الوطني , بعجزهم وجبنهم وقلة حيلتهم واعتدائهم الآثم على وعينا ووجداننا , فهم انتجوا اول مصطلح للضلالة الوطنية باختبائهم خلفك تحت شعار ” من فوق ” ثم عاثوا فينا فسادا اداريا اضعاف فسادهم المالي فأول الفساد ادارة , ثم كان الخارج منهم من مقاعد السلطة يضاعف في الفساد غمزا ولمزا وتصريحا لاخفاء فساده , ونجحوا يا سيدي في اخراج مبادراتك باسوأ اخراج وفي كثير من الاحيان بوأد هذه المبادرات من مبادرة أولي العزم مرورا بالاردن اولا والمدينة الاعلامية ووادي السيلكون وغيرها الكثير , فانت الهبت وعينا وخيالنا بمبادرات خلاقة والسلطة الهبت ظهورنا بالضرائب والاتاوات وقتل المبادرات , فظهرت السوداوية وترعرعت بحماية رسمية .

صاحب الجلالة , نعلم ان نبضك من نبضنا , ونعلم ان وجعنا وجعك , ونعلم يقينا انك تجوب الدنيا من اجل رفعة الدولة وخير المواطن , ومقالتك فيها غضب نبيل , يليق بملك جسور وهُمام , عاش في كنف ملك لم يعرف الا الانجاز وخدمة وطنه وشعبه وامته , ونشهد انك رفعت رؤوسنا في كل المحافل وانك خضت معركة فلسطين بما يليق بفارس هاشمي اصيل , واعلم اننا نحبك ونفديك ولكننا نعتب ولا نغضب , وبك ومعك انا ماضون , فهذا عهد الاردنيين وديدنهم منذ اول الدولة الى نهاية العمر , مقالك اثار الامل واعاد لنا كثيرا من الوجدان في دولة تليق بك وبنا , نُعلي البنيان بكرامة ومصارحة من الشعب وبحكمة وحصافة القرار من جلالتك.