بهدوء

مرايا – عمر كلاب

نادرا ما تجد مسؤولا في القطاع العام راضيا عن اداء وزيره , واكثر نُدرة ان تجد موظفا راضيا عن اداء مديره , وكأننا في حارة ” كل من ايده اله ” , فالقرار معطل , ومجرد منخفض جوي يجعل الدولة واقفة على ساق واحدة , وتتسابق كل مؤسسات الدولة لاعلان جاهزيتها لاستقبال المنخفض الثلجي , وكأن الزائر الابيض غريب عن بلادنا , ولا نعرفه ولا يعرفنا , علما بانه كان يزورنا في فصل الشتاء الواحد اكثر من مرة واحيانا يجري التوثيق الشعبي للاحداث بالثلجة الكبرى او الثلجات السبع , وكانت الحياة تمضي دون كل هذا التوتر .

طبعا الثقة الشعبية بالاستعدادات في اردأ احوالها , فالجميع يستعد للمنخفض على انه عاصفة عاتية , وتتصدر النشرات الجوية صدر الاخبار الاكثر متابعة , وثمة مخزون هائل من المواد المحفوظة والجاهزة باتت على طاولة المطبخ , وطوابير الكاز والغاز تفوق طوابير الطالبين للهجرة على ابواب سفارة دولة تعيش حالة حرب , وكل ذلك مرده لعدم الحصافة الرسمية في التعبير والتواصل مع الناس , وبات بعبع الثلجة والمطر اكثر خطرا وتأثيرا من الغول وصاحب القدم المسلوخة .

دولة تقف اليوم على عتبة مئويتها الاولى , تعيش حالة رعب من شتوة او ثلجة او عاصفة رياح , كل ذلك بسبب الانفصام العام الذي تعيشه مؤسسات الدولة , التي تتحدث بلغة وتنفذ بلغة ثانية , وكانها تتلمذت على يد نايف حواتمة الذي كان يعطي الاشارة لليسار فيما ينحرف يمينا , فالوزير على مقعده يقول كلاما في وصف الحالة السياسية والادارية تستشعر منه ان الامور توازي دول الاسكندناف , وبعيد خروجه يجلس على شاشة التلفاز او في المجالس العامة ويتحدث عن خراب الدنيا , ولعل ما قاله وزير المياه السابق على شاشة المملكة دليل على ذلك , فالرجل يتحدث عن سرقة 8 ملايين متر مكعب , فأين معاليه واين دوره ؟

انفصام عام تعيشه اللحظة الوطنية والمجتمع تبعا لذلك , فالمسؤول الاول لا يتابع تنفيذ تعليماته او يتركها لصغار الموظفين خشية ان تسجل عليه , والمسؤول الاصغر يمارس ما تشتهيه نفسه ومعارفه , والموظف يرى كل ذلك فيبدأ في البحث عن فائدته , طالما ان الامور تسير وفقا للرغبات والشهوات الشخصية , والغريب ان الجميع يتحدثون عن مصلحة البلد وصالح المواطن , وكأن البلد تم اختزالها في فخذ من عشيرة او اسرة صغيرة او مكتب عام .

نحن دولة قوية ولديها من ادوات النجاح وامكاناته ما يفوق دولا اكثر ثراء وعددا , ولكن ادواتنا الادارية صغيرة وليست بحجم قيمة الدولة , فالمسؤولون اليوم من اضعف الكوادر الادارية والمهنية بين اقرانهم , الا من رحم ربي , وهؤلاء المرحومون نضع العصي في دواليبهم ونحاربهم كأنهم خصوم , وهنا اتحدث عن المواقع المتشابهة والتابعة للموازنة ولا اقصد المقارنة بين العام والخاص من القطاعات , فتجد وزيرا مبدعا وصاحب قرار , تستقوي عليه جهات وافراد اقل منه كفاءة ومقدرة , وتجد مديرا عاما يمارس عمله بنجاح في احلك الظروف واقلها امكانية ومع ذلك تحاربه المؤسسات الاخرى وتسعى لتدميره لمجرد انه نجح او لامس حواف النجاح .

حالة انفصام اداري وسياسي , نعيشها اليوم هي سبب الأزمة وسبب الوهن والضعف العام , ونحتاج الى معالجة الانفصام فقط , عبر اعادة الحياة للادارة العامة وللشخصية القيادية بدل الاستعانة باشخاص من الصف المتدني في الخبرات والكفاءة , نحتاج الى اصلاح اداري واجتماعي وبعده يأتي كل اصلاح .