مرايا – أطلقت قوات الأمن العراقية، ظهر اليوم الجمعة، النار على عشرات المتظاهرين وسط بغداد، وذلك في اليوم الرابع من الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، في حين ارتفعت حصيلة القتلى إلى 44 قتيلا.

وبحسب ما أفادت به وكالة “فرانس برس”، فإن قوات الأمن أطلقت النار على المحتجين الذين يرفعون عدة مطالب، منها رحيل المسؤولين “الفاسدين” ووظائف للشباب، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن الشرطة ومصادر طبية، اليوم الجمعة، أن عدد قتلى ثلاثة أيام من الاحتجاجات ارتفع إلى 44 قتيلا.

وأضافت المصادر أن أكبر عدد من القتلى وقع في مدينة الناصرية بجنوب البلاد، حيث لقي 18 حتفهم، بينما قتل 16 في العاصمة بغداد.

وذكرت مصادر طبية في بغداد ، أن قوات مجهولة تعتقل جرحى من المتظاهرين من داخل مستشفى الكندي.

ولا يزال حظر التجوال والانتشار العسكري الكثيف في الشوارع والساحات العامة وأمام المباني الحكومية، على أشدهما، كما أن شبكة الإنترنت التي أعيدت لبضع ساعات فقط، بالتزامن مع كلمة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ليلة أمس، قطعت مجددا.

ووفقا لمصادر أمن وشهود عيان وناشطين في بغداد، فإن القوات الأمنية ما زالت تغلق جسور الجمهورية والسنك والمعلق، الرابطة بين الكرخ والرصافة ببغداد، بالحواجز الإسمنتية، بينما تنتشر مدرعات بمحيط المنطقة الخضراء وشارع الصالحية المتجه إلى فندق الرشيد، حيث تقع السفارة الإيرانية، إضافة إلى استمرار وجود قوات الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الشغب في الكفاح والفضل والخلاني والنهضة والحسينية والصدرية، وسبع البور والتاجي والزعفرانية، التي شهدت، أمس، عددا كبيرا من الضحايا بفعل إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

ولا زالت مدن الشطرة والرفاعي والمشخاب والكحلاء والكوفة والديوانية والعمارة والمديّنة وعلي الغربي وسوق الشيوخ والناصرية، ومناطق وبلدات أخرى في الجنوب العراقي، حتى التاسعة من صباح اليوم الجمعة، تخضع لإجراءات أمنية مشددة وانتشار عسكري وحظر للتجوال، وسط اعتقالات واسعة أكدها أكثر من مصدر لـ”العربي الجديد”، طاولت ناشطين ومشاركين في التظاهرات.

وشهدت مدينة النجف إجراءات أمنية مكثفة قبيل بدء خطبة الجمعة”، والتي دعا فيها ممثل المرجع الديني البارز علي السيستاني الحكومة إلى “تقديم المتلاعبين بالمال العام إلى القضاء”.

وأكد ممثل السيستاني، في خطبة جمعة النجف، على “وجوب تدارك الأمور من الحكومة قبل فوات الأوان”، معلنا “رفضه الاعتداء على المتظاهرين”.

ووفقا لمسؤول أمني عراقي، فإن الإجراءات تأتي تحسبا من خطب الجمعة في النجف وكربلاء وبغداد، وما ستسفر عنه، أو ما ستتحدث به المرجعية الدينية ووكلاؤها في المحافظات الأخرى، مبينا أن التجمعات البشرية ستكون، بعد خطب الجمعة، مصدر تظاهرات كبيرة، لذا الاستنفار الحالي على أشده، مؤكدا أن الإجراءات الأمنية ستستمر حتى إشعار آخر.

“العفو الدولية” تطالب بتحقيق مستقل

إلى ذلك، طالبت منظمة “العفو” الحقوقية الدولية، الجمعة، السلطات العراقية بإجراء تحقيق “حيادي ومستقل” في حوادث قتل متظاهرين على يد الأمن.

وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو: “من المهم أن تضمن السلطات (العراقية) إجراء تحقيق مستقل وحيادي بالكامل في استخدام قوات الأمن للقوة، التي لا داعي لها أو المفرطة؛ مما أدى إلى الوفاة المأساوية للعديد من المحتجين، وإصابة عشرات آخرين بجروح”.

وأكدت معلوف، في بيان للمنظمة، على أنه “يجب على الدولة العراقية أن تلتزم بمحاسبة المسؤولين” عن قتل المتظاهرين، “ويجب ألا تكون هذه حالة أخرى من الحالات التي تعلن فيها الحكومة عن إجراء تحقيق أو تشكيل لجنة تحقيق لا يسفران عن أي نتائج”.

وشددت منظمة “العفو”، في بيانها، على أنه “يجب على الحكومة العراقية أن تأمر قوات الأمن على الفور، بوقف استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المحتجين”.

واعتبرت أنه “من المشين أن تتعامل قوات الأمن العراقية، مرارا وتكرارا، مع المحتجين بهذه الوحشية باستخدام القوة المميتة، وغير الضرورية”. كما دعت إلى “إنهاء الحجب غير القانوني للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ورفع حظر التجول التعسفي المفروض في العديد من المناطق”.

أيضا، أعربت عن “القلق إزاء ما ورد من تقارير بشأن الاعتقالات التعسفية للمحتجين والصحافيين في عدة محافظات عراقية”.

وقالت: “في (مدن) البصرة (جنوب) وبغداد والنجف (وسط)، أخبر المتظاهرون المنظمة أن قوات الأمن تقوم باعتقال المحتجين بصورة عشوائية”.

وشددت منظمة “العفو” على أنه “بدلا من مواجهة هذه الاحتجاجات بقوة تعسفية ومفرطة، يجب على السلطات معالجة مظالم المحتجين، والأسباب الجذرية للاضطرابات، بصورة مستدامة”.

وعلى صعيد متصل، دعت الكويت وقطر مواطنيها إلى “التريث” وعدم السفر إلى العراق.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية أن خارجية بلدها دعت المواطنین الكویتیین الذین ینوون السفر إلى العراق إلى “التریث وعدم السفر في الوقت الراھن نتیجة الاضطرابات والمظاھرات التي یشھدھا عدد من المدن العراقیة”. وأهابت بالمواطنین المتواجدین حالیا في العراق إلى “ضرورة مغادرتھا بالسرعة الممكنة وإلى اتخاذ أقصى درجات الحیطة والحذر”.

بدورها، دعت الخارجية القطرية مواطنيها إلى “التريث وعدم السفر إلى العراق في الوقت الراهن، وإلى مغادرة المواطنين القطريين للعراق فوراً نظراً للتطورات التي يشهدها”.

ومساء الخميس، دعت خارجية البحرين، مواطنيها إلى عدم السفر إلى العراق في الوقت الراهن؛ نظرًا للظروف الأمنية التي يمر بها.

عبد المهدي لم يُقنع

وتأتي هذه التطورات غداة خطاب لرئيس الحكومة العراقي عادل عبد المهدي، وعد خلاله بالإصلاحات، لكن يبدو أن وعوده لم تقنع المتظاهرين، الذين خرجوا يحتجون في بغداد وذي قار وميسان والقادسية والنجف ومدن أخرى، في واسط وكربلاء والبصرة وبابل.

وكان رئيس الوزراء العراقي قد وجّه، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس، كلمة مسجّلة للشعب العراقي، أطلق خلالها حزمة من الوعود الإصلاحية، ومحذرا في الوقت نفسه، مما وصفه بـ”الفوضى وخيار اللادولة”، بسبب الاحتجاجات التي اجتاحت بغداد ومدن جنوب ووسط العراق منذ أيام.

ومن أبرز ما جاء في خطاب عبد المهدي، أسفه على ما وصفه بـ”حرف مسار التظاهرات عن سلميتها”، وأن “العراق أمام خياري الدولة واللادولة”، وأنه “لا توجد حلول سحرية، ولا يمكن للحكومة أن تحقق كل المطالب خلال سنة واحدة”، وأنه ورث البطالة والفقر ولم يصنعهما، وأن التصعيد في التظاهرات بات يؤدي إلى خسائر وإصابات.

وطالب رئيس الوزراء العراقي بعدم الالتفات إلى دعوات العودة إلى الوراء، كما وعد بمشروع منح راتب شهري لكل عائلة لا يتوفر لها دخل كاف، وطالب بإعادة الحياة إلى طبيعتها في مختلف المحافظات واحترام سلطة القانون، وأن التصعيد في التظاهر “بات يؤدي إلى إصابات وخسائر في الأرواح، وأن الدولة تضع ضوابط صارمة لعدم استخدام العنف المفرط”، كما تحدث عن تقديم 1000 موظف حكومي متهم بالفساد إلى المحاكمة.

واعتبر مراقبون أن خطاب رئيس الوزراء، ليلة أمس، غير موفق، بل ومستفز، كونه حمل مغالطات وتزييفا للحقائق، من بينها توجيه الشكر لقوات الأمن على حفاظها على أمن المواطنين والمتظاهرين رغم سقوط أكثر من 35 قتيلا ونحو 1200 جريح.

وقال الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني، إن وعود عبد المهدي في خطابه هي نفسها وعود كل انتخابات من القوى السياسية، وبنود برامج الحكومات الانتخابية منذ عام 2003. وتابع: “الشارع فقد ثقته بالحكومات، لذا كان على عبد المهدي أن يبحث عن غير تلك الوعود في حديثه مع العراقيين”.