مرايا – تسيطر مشاعر الغيظ على الثلاثيني الأردني، حسان، كلما تذكر الاتصال الذي تلقاه نهاية مايو/أيار الماضي من مكتب توظيف يبلغه بترشيحه للعمل في البحرين، من أجل نيل وظيفة أخصائي تربية خاصة، تقدم لنيلها عبر إعلان نشره موقع “السوق المفتوح الأردني للإعلانات المبوبة”.

لم يتوقع حسان أن يتصل مكتب التوظيف به سريعا من أجل مقابلة سيدة أخبروه بأنها موفدة من المركز البحريني الذي سيعمل فيه، وبالفعل في نهاية المقابلة، باركت له السيدة وأكدت له حصول على الوظيفة وأنها “وقعت عقداً ابتدائياً”. ويكمل الشاب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي حتى لا يؤثر على المسار القانوني لقضية النصب والاحتيال المرفوعة ضد المكتب، أنه بعد أن وقع العقد براتب 1400 دينار بحريني، نحو 2700 دينار أردني (تساوي 3816 دولارا أميركيا)، شامل الإقامة وتذاكر السفر، دفع 600 دينار أردني (تساوي 848 دولاراً أميركياً) مقدما للمكتب باعتبارها نسبتهم في العقد، غير أن المكتب ماطله لأكثر من شهرين، وفي كل مرة يتصل للاستفسار يخبرونه أنهم في انتظار الفيزا (..) “وعندما أخبرتهم بقراري التخلي عن الوظيفة ورغبتي استعادة المبلغ الذي دفعته ردوا أن الفيزا وصلت”. لكنه وبعد الاستفسار من السفارة البحرينية في عمّان تم إبلاغه بعدم وجود فيزا أو عقد عمل، ليقوم مباشرة بتسجيل شكوى لدى وزارة العمل التي أغلقت المكتب على وقع احتجاج عشرات المتضررين أمامه.
ولاحقاً فوجئ حسان، أن السيدة التي قابلته بصفتها موفدة المركز البحريني لم تكن سوى مديرة شركة التوظيف، التي قابلت غيره من الباحثين عن عمل بصفة موفدة مؤسسات وشركات من مختلف الدول الخليجية، كما كشفت تحقيقات إدارة البحث الجنائي. ومن بين 200 متضرر، حرك حسان و50 آخرون، نهاية أغسطس/آب الماضي، دعوى قضائية ضد المكتب الذي فر أصحابه إلى خارج البلاد بتهمة “النصب والاحتيال”.

كيف ينظم القانون عمل مكاتب التوظيف؟

تمارس مكاتب التوظيف أعمالها استناداً للمادة 11 من قانون العمل التي تحصر “أعمال الوساطة لتشغيل أو تسهيل تشغيل العمال في داخل المملكة وخارجها بمكاتب التشغيل العامة ومكاتب التشغيل الخاصة المرخصة”، ويفرض القانون عقوبات بالسجن وغرامات مالية على المخالفين، تتراوح مدتها وقيمتها حسب طبيعة المخالفة المرتكبة.

ويعد تقاضي المكتب أموالاً قبل تأمين فرصة عمل مخالفة للمادة 7 من نظام المكاتب الخاصة للتشغيل، والتي تنص على أنه “لا يجوز للمكتب أن يتقاضى من الباحث عن عمل أي بدل من أي نوع كان ولأي سبب قبل إيجاد فرصة عمل له وإبرام عقد العمل بينه وبين صاحب العمل”، بينما تتقاضي مكاتب العمل، ممن توفر فرصة عمل حقيقية بدل أتعاب بنسبة 7 بالمائة، من المبلغ المحدد في العقد لمرة واحدة عن عقد العمل المحدد بسنة أو أكثر، على أن يستحق المكتب الأتعاب بعد تأمين فرصة العمل وتوقيع العقد والحصول على التأشيرة بحسب المادة 3 من تعليمات بدل الأتعاب في قانون العمل وتعديلاته رقم 8 لسنة 1996.
حجم المخالفات المضبوطة

يقر نقيب نقابة أصحاب مكاتب التوظيف، خالد حمدان، بوجود تلك المخالفات، لكنه يرجعها إلى الفوضى في القطاع، والتي تتمثل بوجود أكثر من 400 مكتب توظيف غير مرخص، حسب التقديرات التقريبية للنقابة. ويقول “في الوقت الذي تقوم فيه المكاتب المرخصة من وزارة العمل بالالتزام بالقانون، ووضع كفالة بنكية بقيمة 100 ألف دينار، وتتحمل كلف موظفين وأجور، وتخضع للرقابة، نجد مكاتب غير مرخصة (وهمية) تعمل دون رقيب”.

وبالعودة إلى سجلات وزارة العمل، فإن عملية النصب التي تعرض لها حسان والآخرون تورط فيها مكتب مرخص، هو واحد من 74 مكتب توظيف مرخصة تضع الوزارة أسماءها وعناوينها على موقعها الرسمي لإرشاد الباحثين عن عمل، وهو ما جعل حسان يشعر بالطمأنينة لسلامة التعامل مع المكتب، حسب قوله.
ومن أصل 74 مكتب توظيف مرخص، يبلغ عدد المنتسبين للنقابة 35 مكتباً فقط، كون الانتساب بقانون النقابة اختياريا، فيما يعتقد حمدان أن الانتساب الإجباري يساعد في زيادة الرقابة على المكاتب ومراقبة التزامهم بالعمل من قبل النقابة بشكل يسهل مهمة مديرية التفتيش في وزارة العمل. وتمتلك النقابة صلاحية مخالفة وإنذار المكاتب الأعضاء في حال عدم التزامها لتصويب أوضاعها، وصولاً إلى فصلها من النقابة.
وتكشف إحصائيات مديرية التفتيش المركزية في وزارة العمل عن تنفيذ 25 زيارة إلى مكاتب التوظيف المرخصة منذ مطلع العام وحتى سبتمبر/أيلول الماضي، جرى خلالها إغلاق مكتب واحد، ومخالفة 8 مكاتب وإنذار 8 مكاتب أخرى، فيما وردت 260 شكوى ضد مكاتب التوظيف عبر الخط الساخن لمديرية التفتيش، من بينها شكاوى على 9 مكاتب تبين أنها وهمية (غير مرخصة) جرى إغلاقها.

وحسب الإحصائيات ذاتها فإن أكثر من 90 بالمائة من الشكاوى الواردة تتعلق بتقاضي المكاتب أمولاً قبل توفير فرصة عمل، فيما تتوزع باقي الشكاوى حول عدم توفير فرصة عمل، وعدم الالتزام ببنود عقد العمل.

ويشرح مدير التفتيش في وزارة العمل، عبد الله الجبور، آلية المراقبة على المكاتب، بالقول “نقوم بحملات تفتيش دورية للتأكد من التزام مكاتب التوظيف بالقانون، كما نقوم بعمليات تفتيش في حال ورود شكاوى عن وجود مخالفات”.

ويمنع القانون على مكتب العمل تقاضي أموال قبل توفير فرصة العمل للباحثين عنها، وتنتهي مسؤولية المكتب بعد تأمين فرصة العمل وفقاً للشروط المبرمة في العقد، وفي حال أي إخلال في شروط العقد يتحمل المكتب المسؤولية عن ذلك، كما يقول الجبور، مضيفا “تتراوح صلاحيات مديرية التفتيش بين المخالفة والإنذار والإغلاق، حسب طبيعة المخالفة المرتكبة”.
المواجهة الإلكترونية

وفي وقت يشير الجبور إلى إمكانية متابعة وملاحقة المخالفات التي ترتكبها المكاتب المرخصة، يقر بصعوبة متابعة المكاتب الوهمية التي تنشط عبر الإنترنت، أو الإعلان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى تنفيذ الوزارة حملات توعية دورية لمنع التعامل مع المكاتب غير المرخصة. وعلى الرغم من تلك الحملات وقع المهندس معاذ جميل، ضحية مكتب توظيف وهمي، عندما تقدم للعمل بوظيفة مهندس مدني في السعودية من خلال إعلان نشر على الإنترنت.
وبعد أسبوعين من تقديمه للوظيفة ورده اتصال من فتاة حددت له موعداً لإجراء مقابلة مع موفد الشركة في أحد فنادق العاصمة، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا “استمرت المقابلة نحو ربع ساعة، جرى التطرق خلالها لخبراتي، وانتهت بعد التفاوض على الراتب المتوقع والامتيازات، وفي النهاية أخبروني بأنهم سيعاودن الاتصال بي”.

بعد يومين من المقابلة أعيد الاتصال بمعاذ وتم إبلاغه باختياره للوظيفة وطلب منه إحضار أوراقه الرسمية لتوقيع العقد ومباشرة إجراءات السفر، وهناك أخبره القائمون على المكتب بضرورة دفع 1500 دينار عمولة للمكتب الذي وفر له الوظيفة.

وعقب شهر من التواصل المستمر معه انقطع الاتصال، وأصبح هاتف مكتب التوظيف مغلقا، كما هي الشقة التي كان فيها، ليدرك معاذ وقتها أنه تعرض للاحتيال، دون أن تتوفر له المعلومات الكافية عن الجهة التي احتالت عليه لأغراض تحريك شكوى قضائية.

التعويضات

تلزم المادة 3 من نظام المكاتب الخاصة للتشغيل، صاحب المكتب بتقديم تعهد يتضمن الشروط والالتزامات الواجب التقيد بها وتنفيذها، إضافة لكفالة بنكية بمبلغ 100 ألف دينار لضمان قيامه بأعماله، ولتغطية التعويضات والالتزامات التي تترتب عليه.

وينتظر المتضررون من تلك المكاتب، ومن بينهم حسان، صدور قرار قضائي يدين مكتب العمل، ليصار إلى تسييل واستغلال الوزارة للكفالة البنكية لتغطية التعويضات المترتبة على المكتب، وبينما عاد حسان للبحث عن وظيفة في بلد سجلت فيه نسبة البطالة، خلال الربع الثالث من عام 2017، نسبة 18.5% حسب دائرة الإحصاءات العامة​​​​​​​، خسر عماد وظيفته التي استقال منها بعد أن وقع عقداً ابتدائياً مع ذات المكتب للعمل في السعودية للعمل محاسبا، كما يقول، مضيفا “استقلت من عملي بعد أن أبلغني المكتب بضرورة التجهز للسفر خلال شهر من توقيع العقد الابتدائي”.

وتبين لعماد خلال التحقيقات أن مديرة المكتب قد قابلته على اعتبارها سعودية، يرافقها خلال المقابلة رجال يرتدون الدشاديش العربية، وهو ما جعله يطمئن، إلى جانب ترخيص المكتب الرسمي من وزارة العمل، وأكمل “أعيش مأساة، أنا الآن دون عمل وبلا مال، لا بد من تعويضي بعد أن خسرت وظيفتي”.
كيف تمكن مواجهة الظاهرة؟

يقترح المهندس خالد حمدان للحد من عمل مكاتب التوظيف الوهمية التي تنشط عبر الإعلانات الإلكترونية أن يصار إلى ملاحقتها والتعامل معها ضمن اختصاص قانون الجرائم الإلكترونية، كونها تخالف شروط الترخيص وتحتال على الباحثين عن عمل. كما يطالب نقيب أصحاب شركات التوظيف بضرورة توقف الصحف عن نشر إعلانات التوظيف للمكاتب غير المرخصة، مقترحاً اعتماد موافقة النقابة قبل نشر الإعلانات، وهي خطوات يجري التفاوض عليها مع الجهات المعنية لاعتمادها، حسب ما يبين، قائلا “غياب الثقافة القانونية واستمرار الفوضى في قطاع التوظيف تجعل الباحثين عن العمل فريسة سهلة لعمليات النصب والاحتيال”. العربي الجديد “محمد فضيلات”