مرايا – محمد فخري – أبوي أسير سابق ، وأمي ناشطة وتصاوبت كثير وأصلاً بطبيعة الحال أي واحد بنولد بفلسطين وبلاقي إحتلال بتنولد معه بالفطرة فكرة المقاومة وبصير كل تفكيره كيف يخلي هالإحتلال يحل وأنا إنولدت ببيئة مقاومة وقدام الإحتلال ، كنت عادي ومتفائل وحنون نفسي أشوف قريتي عنابة وأرجعلها ، كنت صاحب الكل بتذايق إذا بشوف إثنين متكاتلين مع بعض وبسعى إنه أصلحهم ، عندي أحلام زي هالأطفال ، أعزف عود وأكبر وأصير محامي وأدافع عن هالقضية ، كبرت شوي شوي لحد ما صار عمري 15 سنة وعلى أبواب الثانوي ، بتذكر وصيت أبوي على فلافل وصحيت يوم الجمعة آخر يوم بشهر 7 سنة 2015 تحممت وبدي أفطر د وأجهز للصلاة ، فجأة شفنا خبر مزعج ؛ المستوطنين حارقين طفل رضيع من عيلة الداوبشة ، إنسدت نفسي وعيوني رغرغت دموع وصرت أسأل وأحكي مع حالي :
ليش حرقوه ؟ .. طفل صغير ليش ؟
أنا طبيعتي بنقهر من هالكيان ومن المستوطنين ، كنت أقعد بالغرفة وأصير أعيط على اللي بصير للمرابطات ، وأنقهر إنه ما باليد حيلة ، فكان الموضوع صعب إنه أستوعب طفل وعيلة ينحرقوا !
رحت على الصلاة صليت ورجعت ونزلت عالفيس “حرقوا الرضيع” وبلشت أفكر كيف بدنا نخلص من هالحكي ، وكنت زعلان كثير ، وصلت لإشي ؛ إنه الشهادة واجب وفرض مش أمنية ؛ لازم نموت شهداء أحسن ما نموت بسرطانات وجلطات ، وصلت لقناعة إنه الكل على أرض فلسطين مشروع شهيد ، كيف وليش بعرفش حملتني رجلي ووصلت لعند حاجز عطارة شمال رام الله ، وطول الطريق بحكي :
” مش خايف من الرصاصة ، تعالوا طخوني شهيد بالجنة خلي الشباب يزفوني ، بدنا نحرقهم زي ما حرقوا الرضيع ”
بهذا الوقت كل العالم قاعد عالتلفزيون وأنا عالحاجز برمي حجار على برج محصن وعلى جنود معهم أسلحة بتهد جبال ؛ هالحجار قدامهم لا بتسد ولا بتهد بس إحنا موجودين ومش راضيين ورافضين ، أمي إتصلت على أخوي يزن وحكتله وين أخوك ؟
حكالها رني عليه وشوفيه ، أختي كانت بتحضر مسلسل التغريبة الفلسطينية ما بتعرف بالغربة اللي رح تجيها وأمي بتقرأ بكتاب ذائقة الموت وما كانت تعرف شو اللي رح تذوقه كمان شوي ، أنا عالحاجز كنت أرمي حجار وأوقف شوي وأمشي ، لفيت ظهري بدي إشي والجندي اللي على البرج شاف هالفرصة مناسبة وشاف ظهري قدامه لوحة وهدف يمارس هوايته عليها ، طخني طلقة حقد بظهري !
الطلقة من كثر وجعها حسيتها بصدري ومشت لبطني وحسيت إنها بتمشي وبتعجن ببطني وبتقطع كلشي ، وبعدها ما شفت الا الدخان ومسيل الدموع والناس إنعجقت وأخذوني يسعفوني لمجمع فلسطين برام الله ، أنا إشلحت إسوارة من إيدي وأعطيتها لصاحبي حكيتله أعطيها لتالا أختي ، صاحبي رن على يزن وحكاله ليث إتصاوب إصابة خفيفة ، يزن صار يصرخ ويحكي ليث إتصاوب ليث إتصاوب !
أمي من الصدمة بتحكيله : مين ليث !!
أبوي رد عليها وحكالها ليث إبنك ..

دخلوني على العمليات وأهلي تجمعوا برا الغرفة بالممر وأمي دخلت عند الدكاترة على العمليات ﻹنها أصلا ممرضة ، ما قدرت تلمسني ولا حتى تشتغل معهم بالعملية وسألتهم :
شو بنقدر نعمل شو نسوي !
الرصاصة بالكبد ؟
ما قدرت تستوعب وين مدخل الطلقة ولا مخرجها لإنه الرصاصة كانت عاملة مجزرة ؛ الرصاصة إسمها الفراشة وهي محرمة دولياً ، هالرصاصة ما بتوقف وبتضل تمشي بالجسم وبتفتح وبتفرش وبتقطع كلشي قدامها ، اللي عملته الرصاصة بجسمي إنها دخلت من ظهري لعند الرئتين وقطعت الأمعاء والمعدة وفتت الكبد وقطعت الوريد البابي والشرايين المغذية وعملت معفرة جوا جسمي ، الدكاترة حاولوا يساعدوني من الساعة 6 المساء لحد الساعة 12 وهمه شغاليين ، صوت الممرات كان صوت دعوات واطية وقرآن ، لحد ما فجأة طلع صوت :
“لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”
هون عرفوا أهلي إنه إبنهم إستشهد ، تالا أختي أجت حضنتني وعبت أواعيها دم من دمي ، يزن أخوي قعد فوق راسي وبحكيلي إنت بتجنن يخوي والله بحبك رح تشوف الشهداء ، وطلب مني إنه أدعي لأهلي الله يصبرهم !
الحي بطلب من الميت يدعي للأحياء
أبوي بحكيلي إصحى يا بابا إصحى عيش ..
أمي مش مستوعبة إشي وبس شايفة قدامها صور بدون صوت وإنفصلت عن العالم ، لحد ثاني يوم لما دخلت عليها محمول عالأكتاف والناس بتزغرت وبتحكي العريس العريس ، طلبت منهم ينيموني على تختي وتودعني من تختي ، حضنتني وبلت وجهي من دموعها وطلعوني من الغرفة على القبر ، على صوت أمي وهي بتحكي :
ليث .. ليث تعال يما ..
وعلى صوت أختي وهي بتحكي :
وجعتلي قلبي يا ليث مش رح ترجع ..
كل مخيم الجلزون وكل فلسطين طلعت بجنازتي ، تراب قبري ريحته حلوة لليوم لإنه المحضون فيه “ليث فضل الخالدي” الشهيد اللي كان حالة وما كان رقم وكان حكاية وقصة ، رمز وقصة وقضية ووطن ، ليث اللي صوره عبت الحيطان والمداليات ، راح جسمه وضلت ذكراه وراه وضل سؤال أمه :
من سيأخذ حق ليث ؟
#الشهيد_ليس_رقمًا،