مرايا – عُمر كُلّاب – حتى اللحظة ترفض القواعد السياسية النافذة القبول بضرورة فتح الملفات على الطاولة وفق حوار وطني منضبط على الساعة الوطنية , وتمارس تهويمات قاتلة وتصرف جهدا ووقتا في اخفاء الحقائق , فالهويات القاتلة تتمدد وتتسع افقيا وعاموديا , فالهويات الفرعية ليست فقط بين غربي وشرقي وليست تعبيراتها محصورة في الفيصلي والوحدات كتعبيرات رياضية او كروية كاشفة عن مدى التشقق الاجتماعي , بل داخل المحافظة الواحدة , ويكفي ان تجلس على مقهى في العقبة لتسمع ما تشيب له الرأس , والحال في كل المحافظات مشابه للعقبة ولعل المفرق تعبير واضح ايضا في المسكوت عنه بين المدينة وبدو الشمال , والحال متسق ايضا مع تكوينات غربي النهر بين المدينة والقرى او بين اللاجئين والسكان .

السكوت عن التشققات لا يعني اختفاء التشقق بل انه يزداد وبات الامر غير مقبول السكوت عنه , صحيح ان الاصوات العاقلة ما زالت هي السائدة وهي القادرة على إبقاء المسكوت عنه داخل الاسوار الضيقة , لكن هذه الاصوات بدات تصدح على مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت دوائر سياسية خارجية وداخلية تستثمر في هذه الاصوات , فهل من المعقول ان يسأل برازيلي حامل جواز اردني انت اردني – اردني ام اردني فلسطيني , ونبقى صامتين عن هذا الحوار الدائر على كل المستويات ؟ وهل من المقبول ان تبقى ايلول واحداثها ثقافة تتناقلها الالسن , واقصد بالضبط كلمة ثقافة لانها تحقق مصالح لكثيرين , فجرى تحويل الاحداث الى ثقافة تتناقلها الاجيال , فما كشفته الايام الاخيرة تقول بالفم الملآن ان هذه الثقافة لها سدنتها وحراسها .

حجم المسكوت عنه في المجتمع الاردني اكثر من المحكي بكثير , وكله نستمع اليه في مجالس العزاء وخيم المناسبات السعيدة , وتكفي لحظة غضب واحدة لكشف المستور كله , فمخالفة السير يتم تحويلها وتأويلها ومحاسبة فاسد او ملاحقة مطلوب باتت اشارة يمكن استثمارها لاستحضار هوية فرعية او استنهاض مظلومية عشائرية او مناطقية , وهناك حجم بكائيات ولطميات تتردد في المجالس عن الذبح على الهوية داخل المؤسسات الرسمية , فالهوية الفرعية والتحالفات الاقتصادية والمصلحية هي السائدة اليوم ولا حديث عن مصلحة وطنية او عن ضرورة منهجية , فكلنا قنابل موقوتة قابلة للانفجار في حضن الدولة الصامتة عن اجراء مراجعات جذرية لكل المسكوت عنه , تاركة المجال لمراكز الدراسات الممولة او المأجورة لقراءة الاحداث وتحليلها , مقابل اغلاق العيون والاذان عن مراكز وطنية ترصد وتحلل كل ما يدور .

منسوب القلق الوطني في اعلى مراحله وكاذب من يقول ان الوضع بخير , فإحساس المواطن بالامان على كل المستويات بات في ادنى مستوياته , فالقلق الاقتصادي قابل للتمدد والقلق الوطني بات واضحا , فالهويات الفرعية تعصف بنا وبات الحديث فيها مفتوحا ومشرعا ومدعوما بقرارات هجينة من الحكومات المتعاقبة ومن دوائر لا تخضع للمساءلة والمحاسبة , ويجري تجريم كل من يحاول دق جدران الخزان , بل وشيطنة كل من يحاول كسر المسكوت عنه , فالمطلوب ان تبقى التشققات قائمة وسط محاولات محمومة للصمت عنها وكأن المطلوب ان ينهار الجدار الاستنادي للدولة وللمجتمع , وان تتراكم الازمات وندخل حالة الاستعصاء السياسي والاجتماعي .

بات واجبا ان نفتح كل الملفات حتى تلك التي على شكل تقرحات وجروح , لتنظيفها وتصويب مسارها فلقد مللنا قصة الظرف الصعب واشارات الصمت عند فتح اي ملف سياسي ناسين ان سد مأرب ثقبته الجرذان رغم تقنية البناء العظيمة ,الجرذان منتشرة في مجتمعنا , ونكمل غدا.