مرايا – عُمر كُلّاب – تُمسك الكثير من الدوائر الاقتصادية والسياسية عن الحديث الثاني المسكوت عنه والمتعلق بالشق الاقتصادي , وتحديدا في جانب عزوف المستثمرين عن الاستثمار في المحافظات الجنوبية التي تزخر بالثروات وبعض المحافظات ذات التركيبة التقليدية القبلية , فما تسمعه من مستثمرين غامروا في استثماراتهم هناك , تشيب له الولدان ليس لكثرة الابتزاز الممنهج والاتاوة المدفوعة , بل من ردود فعل الجهات الرسمية على تلك الافعال , ويقول مستثمر انه اشتكى الى احد المسؤولين هناك , فكان جوابه ” إرضيهم ” , ولمزيد من الشفافية اذكر حادثة بالتفصيل , فقد استمعت في جلسة الى الحوار التالي الذي دار بين مسؤول رفيع في مؤسسة مصرفية وازنة والى مستثمر في قطاع الخدمات – الاتصالات. –

المصرفي الحالي والسياسي السابق طالب المستثمر بفتح فرع لاستثماره في محافظة جنوبية , وهو استثمار قائم على تشغيل الشباب وتحديدا طلاب الجامعات, فكان جواب المستثمر بالرفض , ليس لسوء الاستثمار او لاي عامل اقتصادي , بل لأنه والحديث على لسان المستثمر , لا يستطيع ان يعاقب موظفا مقصرا او ان يفصل موظفا مقصرا , فحينها وهنا يسترسل المستثمر , ستقوم الدنيا ولا تقعد , بل سيتم الاعتداء عليه وعلى استثماره اسوة بما حدث مع كثيرين من اصحاب المصانع والاستثمارات وكما حصل مع مقاولين جرى الاعتداء على الياتهم وعلى مهندسيهم بل وجرى الاعتداء على ابن مستثمر بطريقة متوحشة , لاجباره على دفع الاتاوة .

مفارقة غريبة استمعت اليها , متعلقة بآلية تسعير عطاءات في المحافظات وتحديدا الجنوبية وذات التركيبة القبلية , حيث يضع المقاول اسعارا مرتفعة كما حدث في عطاء الطريق الصحراوي مثلا , لان المقاول يقوم باحتساب قيمة الاتاوة ويحتسب ايضا قيمة تشغيل افراد لا يعملون واستئجار اليات لا تصلح لعمله ولكن حتى تمشي اموره , ولا يجد معارضة او اعتداء من سكان تلك المنطقة , الاغرب ان هذه الامور تحدث منذ القِدم وليست جديدة ولكنها ارتفعت وتمادت في الفترة الاخيرة وتحديدا بعد الخراب العربي والتراجع الاقتصادي , واصبحت سلوكا ممنهجا وواقعا مفروضا بعلم الجهات الرسمية وصمتها او تأييدها بل يتحدث كثيرون بصوت هامس عن تورط مسؤولين رسميين في هذه الاتاوات وتحديدا في المحافظات البعيدة .

صحيح ان الجهات الرسمية استحدثت قسما او دائرة لحماية الاستثمار في مديرية الدرك ولكنه كلفة اضافية , وصحيح ان واجب الشركات والاستثمار ان ترفع من مستوى تلك المناطق كجزء من دورها المجتمعي وواجبها , لكن ليس بطريقة الاتاوة , بل بطريقة التدريب وتشغيل نسبة معقولة من ابناء المنطقة بعد تدريبهم وتأهيلهم , اما على الطريقة القائمة فإن الاستثمار لن يزور تلك المناطق ولن يتوطن هناك طالما ان الطريقة او العقلية التي نُدير فيها الاستثمار ما زالت طريقة بدائية تقوم على الشرهة والاتاوة او الحماية وكأننا ما قبل ادولة , وقد رحلت مشاريع كثيرة من محافظاتنا جرّاء هذه الممارسات السيئة كما حدث مع مشروع سياحي ضخم جنوب المملكة , رحل لان متنفذا يشغل مقعدا نيابا طالب بمبلغ ضخم حتى يسكت على المشروع وحتى يمنع اقاربه من الاعتداء عليه .

ثمة اختلالات كبرى لا يمكن ان يصلحها وزير استثمار او حكومة بكاملها , فهذا جهد مجتمعي وعلى ابناء المحافظات الالتفات الى هذه النقاط كثيرا قبل الحديث بصوت مرتفع عن التهميش والاقصاء , فهو موجود فعلا ولكن علينا ان نراجع اسبابه , وغدا حديث آخر عن الفساد والافساد.