مرايا – عُمر كُلّاب – ليس المقصود بالفساد والافساد في المسكوت عنه اردنيا , الفساد المالي فهذا ملف ضخم وكبير ويحتاج الى حلقات كما المسلسل المكسيكي , ولأن الفساد المالي ايضا نتيجة وليس سببا في اعتقادي , فلولا الفساد الاداري والافساد المناصبي لما وصلنا الى الفساد المالي , فمنذ ولوج طبقة التكنوقراط المدعوم من تحالف الامني مع الاقتصادي الى مقاعد الوزارة , لما وصلنا الى هذه الحالة الموجعة من انحدار الثقة بالقرار الحكومي والرسمي , ولما وصلنا الى التشكيك في كل المستويات الرسمية في الدولة , بعد انتشار المقولة القاتلة ” من فوق ” , مع انتاج مصطلح ” المعلم ” بديلا عن مصطلح ” سيدنا ” الذي انتجه الاردنيون بمهابة ووقار وحفروه في وجدانهم .

بداية الفساد والافساد على المستوى الاداري , كانت في انتقال مدراء الشركات الى مواقع الوزارة وبالاتجاهين , اي الانتقال من الوزارة الى مقاعد العمل الخاص , حتى ما عدنا نمايز بين الوزير ومدير البنك او الشركة , فكلهم حملوا لقب معالي الى ان تطور الحال الى طرح نظرية جديدة لادارة الدولة بوصفها شركة , ورأينا رؤساء وزارات يتبعون اقتصاديا من لم يتخلص بعد من زغب الشباب , او يجلسون على مقاعد وثيرة في القطاع الخاص او في المؤسسات العابرة للحدود , فرأينا عطاءات بمبالغ خيالية ورأينا إثراءً في الاردن يفوق الوصف , وبدأت مفاهيم الرشوة تتغير من سلوك مدان اجتماعيا الى مفهوم الكوميشن المسموح , وتسلل هذا الوعي الى كل مفاصل الدولة وتورطت اجهزتنا السيادية في البزنس والاستثمار .

انغمسنا حتى اذنينا في المفهوم الاقتصادي كأولوية , وانتشرت الخصخصة مشوبة باللصلصة , واستيقظ الاردنيون فجرا على ممتلكاتهم وقد باتت مملوكة لغيرهم تحت حجج واهية عمادها تكلس الادارة والبيروقراطية , وارتفعت المديونية من 8 مليارات الى 30 مليارا رغم كل البيوعات , وترهلت اجهزة الدولة اكثر واكثر , الى ان تجرأت تلك الطبقة – الامني والاقتصادي – على كسر ظهر الحكومة بانتاج مؤسسات موازية حملت اسم المؤسسات المستقلة التي بلغت كلفتها حوالي 2 مليار سنويا دون ادنى فائدة بل اصبحت بديلا للوزارات دون المقدرة والقدرة على محاسبتها , فصرنا دولة واحدة بنظامين في الادارة , وزارة ومؤسسة مستقلة وقبلها كانت العقبة الخاصة نموذجا لنظامين في دولة واحدة , وليتنا بقينا عندها فقد حولنا الكثير من الجغرافيا الى مناطق حرة وتنموية دون اي عائد يذكر.

الفساد الاداري حوّل الاردن الى نظام هجين في الادارة , وزارة نقل وهيئة لتنظيم قطاع النقل وهكذا في باقي القطاعات الرابحة كالاتصالات والمياه والكهرباء والطاقة والثروة المعدنية , لصلصة محمية بقانون مولود من رحم الخصخصة , ولاكتمال الصورة جرى افساد المعارضين بمقاعد الحكومة الوثيرة وتحولت المعارضة الوطنية الى اكسسوار , وبات كل راغب بدخول الحكومة معارضا بانتظار التمويل والتحويل , عكس السلوك السابق الذي كان المعاض اضافة الى فكر الدولة وعقلها , فكنت تجد في مطبخ الدولة ” اليساري والقومي واليميني ” ولكن طبقة الحكم الجديدة من لون واحد وربما اقرب الى التوحد .

المسكوت عنه كثير وربما يحتاج كل بند الى تثقيف وتوضيح لكن الناظم لكل المسكوت عنه هو اضعاف الدولة وسر هيبتها وتحضيرها لصفقة القرن او التسوية النهائية , فكل اركان مقاومة الدولة اصابها الوهن وكل مفاصلها متكلسة ومحكومة لصندوق النقد والمنحة الخارجية واشتراطات الدائنين .