مرايا – عُمر كُلّاب

مرايا – ابرز ما يميز الدولة الاردنية سعة صدرها وقبولها الآخر , ومنذ التكوين والدولة الاردنية هاضمة لكل التلاوين الاجتماعية والسياسية , حتى في مرحلة الاحكام العرفية مارست الدولة سلوكا غير دموي مع المعارضين بمن فيهم اصحاب الشعارات الداعية لاسقاط نظام الحكم ومن حملوا السلاح ضد الدولة , وبقيت الاجهزة الامنية محافظة على الدولة ومنظومتها السياسية دون التورط في السحل والدم , كما جرى في الجوار والاقليم .

على المستوى الاجتماعي والديمغرافي , حافظت الدولة على الموزييك الاجتماعي الذي ظل عنصرا من ابرز عناصر قوة الدولة , فكلنا يعرف ان الدروز استوطنوا بكثافة في الازرق والزرقاء وكان الشركس اول الخير في جبل القلعة والبيادر ووقفنا جميعا من اجل عودة المقعد الشركسي في دائرة عمان الثالثة اسوة بالدائرة الخامسة ومقعد الزرقاء , ولم يجد ابناء المخيمات غضاضة في الوصول الى اعلى المناصب , وما زال البدوي ممسكا على مقاعده الديمغرافية رغم كل البناء الحَضري في اماكن سكناهم واختفاء ظاهرة الترحال خلف الماء والكلأ .

كانت رحلة الاول من ايار في كل عام وفي احلك ظروف الاحكام العرفية تجمعا لليساريين والقوميين , وتصدح الفرق الغنائية بكل الاغاني الممكنة , وكانت المتنزهات حاضرة بكثافة وتقدم كل اشكال المشروبات الروحية وغير الروحية وكانت الرحلات مفتوحة دون غضاضة , وكانت الدولة في اقوى اوقاتها , مديونية معقولة ونسبة نمو مرتفعة وتماسك اجتماعي يزعج كل المحيط والجوار , ولم نشهد كل هذه الانزلاقات الفكرية او التشنجات المجتمعية .

اليوم يسري الخوف في عروق الجميع من التشنج الاجتماعي وخطاب الكراهية والتناحر الاجتماعي , وثمة ظواهر تنمّر على المجتمع وقيمه , اعلم ان تيارات وزرافات ستاهجم ما اقول بوصفه دفاعا عن الفسق والفجور , غافلين ان اول مقر لجماعة الاخوان المسلمين كان بجوار سينما واستوديو زهران ومقابل بار الشهرزاد , في وسط المدينة , وكانت نوادي الضباط في الزرقاء ترفيهية وتحتوي على مسابح مختلطة وكذلك مسبح مجمع النقابات المهنية – حارسة الطبقة الوسطى واللقاءات السياسية – في زمن المنع , وكانت رابطة الكتاب الاردنيين موئلا للفكر والثقافة على مستوى الاقليم وكانت الحوارات التي تجريها والندوات التي تحتضنها خارقة بكل المعاني وكذلك الجامعة الاردنية ومؤتمراتها الفلسفية .

ما جرى خلال الايام الفائتة يثير القلق والرعب , فمن الغاء الغناء في المدارس الى منع مؤتمرات فكرية وتاليا هجوم على مزرعة تحتفل والقائمة تطول , وكل ذلك يجري بانحياز حكومي جائر لكتلة برلمانية هي كتلة الاصلاح ومجاراة لاصوات نيابية تسعى الى كسب الغرائزية الدينية مثل النائب الصديق خليل عطية , الذي يفتخر بوقف حفل غنائي هادف في مدارس التربية واجزم ان الصديق العزيز خليل عطية لم يستمع الى كلمات الاغاني , لكنه خطوة لمحاكاة كتلة الاصلاح ولمنع خطف رصيده الصوتي .

وللاسف فإن الحكومة تنحاز الى هذا الانغلاق الفكري الذي لم ينغلق في ازهى عصور الدولة الاسلامية بل انغلق في فترة هوان الدولة الاسلامية ,ويأتي انحيازا لفكر ظلامي يقود المجتمع نحو التخلف والانغلاق , لأن هذا هو بيئة هذا الفكر وتربته الخصبة فبيانات ادانة اي حفل من الحفلات المتهمة بالفسق والفجور تفوق عشرات المرات ادانةحادث ارهابي حتى تلك التي وقعت بين ظهرانينا , فهل تخشى الحكومة اظهار صورتها المدنية ام انها تسعى لانكار هذا الوجه الذي دعمناها لاجله , واين وزير الثقافة والشباب عن هذا التعدي على الثقافة والشباب ام ان تربته الفكرية وارثه الفكري السابق قد وجد فرصته في اعلاء المنع والقمع ؟