مرايا – عمر كلاب

في الوقت الذي نشاهد عالميا مباني ضخمة تتهافت مثل قطع البسكويت الطري , صمدت صوامع العقبة عن الانهيار في وجه متفجرات سويسرية كما قال البيان الرسمي , ولعل صمود الصوامع يفتح باب الاسئلة الكبرى عن قصة العقبة الاقتصادية الخاصة ومدى جدواها , بعد ان رفضت الصوامع القديمة الانهيار رغم محاولتين للهدم , احداها اخذت شبابا بعمر الورد وثانيها إستعصت على المتفجرات السويسرية والاذرع والعقول التركية .

ليس المطلوب فتح باب التلاوم ولماذا لم تقع الصوامع , وليست الحادثة فرصة لتصفية الحسابات مع السلطة وقيادتها , بقدر ما المطلوب فتح مراجعة شاملة لموضوع العقبة الاقتصادية الخاصة وجدوى وجود نظامين في بلد واحد , بعد ان تراجعت كثير من البلدان عن هذا النموذج الاقتصادي , من الصين الى مصر , وبدات الدول تتحول الى الانفتاح الاقتصادي العام وفتح الابواب للاستثمارات العابرة للجغرافيا والجنسية , فالتسهيلات مطلوبة لكل محافظات المملكة وليست العقبة بحالة خاصة .

المراجعة تبدا من جدوى الفكرة ذاتها اي فكرة النظام الخاص في العقبة , وهل عجزنا عن احداث التطوير والتحديث المطلوب في العقبة من خلال النظام العام ؟ كما طرح سابقا الدكتور عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الاسبق , والذي دفع ثمنا سياسيا لموقفه من فكرة النظامين في الدولة الواحدة وفكرة توسيع حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة ؟ قد نختلف سياسيا مع الدكتور الروابدة ولكن الرجل من رواد الادارة العامة ومن الخبراء الذين يُشار لهم بالبنان في هذا الامر .

اذا ادخلنا العقبة على المقياس اللازم للتطور واغاثة الدخل القومي الكلي , سنجد ان ثمة فجوة كبيرة في الموضوع , فالعقبة الخاصة لم تنجح في منح الدخل القومي الغذاء الكافي لتجاوز حالة الانيميا الاقتصادية , ولم تنجح في تكوين سيرورة قطاعية في اي قطاع , فحجم الغرف الفندقية في العاصمة عمان الخاضعة للنظام العام تساوي او تزيد عن العقبة , ولم يشكل النظام العام حالة طرد للاستثمار في القطاع الفندقي على وجه الحصر , فيما عجزت العقبة حتى اللحظة عن استقطاب استثمارات في قطاعات الصحة مثلا والتعليم الخاص والتعليم العالي .

نعيش اليوم حالة ازمة واضحة في الادارة العامة للشؤون الوطنية , ومن هنا تأتي قيمة شخصية بوزن الروابدة , ومن الواجب اليوم الاستفادة من خبرته الواسعة في هذا المجال , بتشكيل لجنة ملكية للتطور الاداري برئاسته وترك مجال اختيار اعضائها له , فالحالة الادارية اليوم وعلى كل المستويات تكشف مدى الاختلال والتراجع , حتى في المجال السياسي , فقد رأينا الملك امس يقود هذا الفضاء بلقاء مع كتلة نيابية سيتلوها لقاءات مع باقي الكتل , فأين المؤسسات الحكومية واين اركان الدولة من ادارة الحوار وتحديد الاولويات بعد ان تركنا الملك وحده يدافع عن اوراقه النقاشية .

الصوامع ورفض انهيارها بوصفها احد الشواهد المهمة على العقبة التي نعرفها والخاضعة للنظام العام , تكشف بأن ثمة رسالة واجبة المطالعة , عن قصة العقبة وفكرة منحها نظاما خاصا يحتاجه الاردن كله وفقا للاسباب الموجبة والتي اتخمتنا بها طغمة ” نيواقتصاسية ” – هذا نحت شخصي للدلالة على مجموعة العقبة الخاصة من الشباب الذين سادوا في مرحلة سابقة – .

فالعقبة ليست حالة خاصة وربما تتشابه مع البحر الميت والبتراء في كثير من الاسباب الموجبة فهل نمنح كل بقعة حباها الله ببحيرة او خزنة نظام خاص , لعجزنا عن تطوير النظام العام ؟