هذا أبي

مرايا – كتبت: سامية المراشدة – يدق الشوق أبوابنا ويدخل منزلك بدون إستأذان، فمرحباً بذلك الطيف الذي يسكن أفكارنا والذي لا يغيب عننا، ومرحبا برائحة الذكرى المعطرة التي تنافس عطور الأزهار، عاماً على غيابك يا أبي، رحلت في الربيع وأتت الفصول من بعدك، فأمطرت على ثراك الطيب الذي يشبه قلبك وهبت نسائم صيفية تشبه إبتسامتك الدافئة، وأتى الخريف يشبه حزن فرقاك وصبرنا كما أردت، والآن أتانا الربيع من جديد، لتحيي عروقنا بعضاً من التهاليل والتكبير في كل صلاة بصوتك الجميل، ومن المواقف التي لا تنسى والكلمات التي حفظناها وكنت ترددها ولم نعلم قيمتها وثقلها إلا حينما بدأنا نقف على أعتاب تجارب الحياة لنخطوا بها بدونك أنت وأمي، وكأننا نأخذ من سنين عمرك رسائل لنا تشبه رسائل الورق التي تركتها في أدراج الزمن، والصور الجميلة التي تحدثنا عن زي العسكري الذي كنت ترتديه في الستينات وذلك الوسام المميز الذي تكرمت به، وحديثك عن معركة الكرامة وكيف كنت أنت والرفاق السلاح منارة للوطن في إجتياز مرحلة عظيمة لنصرة الوطن من تلك المعركة الشرسة، لتكون سرد للحديث وقصة بطولية لنا في كل ذكرى لمعركة الكرامة حينما يمتزج الموقف مع ترتيب إحتفالية بسيطة لنقول لأمنا رحمها الله في يوم الأم الذي يصادف أيضاً ذكرى يوم الكرامة حينما كنا نقول لرحمها الله كل عام وأمي بخير يهز رأس أبي مبتسماً، وينتابنا الخجل لنقول له اليوم أيضاً ذكرى الكرامة يا أبي لتزداد إبتسامته.

وهانحن الآن نحتفل بك يا بطل وما منّا لا يرى أباه نموذج يفتخر به في زمن البطولة والقوة والحزم و في زمن كثرت فيه الحروب وتعالت فيها روح الرجولة، ولتنشط ذاكرته من جديد وليتحدث لنا بتفاصيل الدقيقة لأحداث المعركة باليوم والتاريخ وحتى بالساعة ليستمع لها الأبن والحفيد بأسلوبه الجميل، وماذا أقول عن ذاكرة رجل التي تعدت من العمر الأربعة والثمانين عاماً ليوصف طريق نابلس والجنين والخليل وكأنه يسير بشوارعهم كل يوم بقدميه ليشرح لنا اتجاه الطرق والبيوت والأشخاص الذي كان يعرفهم بأسمائهم وعائلاتهم وعن المحلات التجارية ومداخل الحارات، وحينما نقول يا والدي تغيرت الآن نابلس والخليل كان يقول ما زلت للآن أشم رائحة الخير والبركة فيهم، وعن مسجد الأقصى الذي كان له النصيب في الصلاة به ،و أحداث جملّت حياته كبقية أصدقائه التي جمعتهم روح العز والفخر ، واليوم بعد عام على فراقك يا أبي هل تعلم أننا نبحث عن أشباهك وهم كثر في المجالس وما أجملهم لأننا نراك فيهم، لكن نحزن على من أنهكه التعب والمرض ونتمنى لهم الشفاء العاجل ، فأنتم صنعتم من العبائة قيمة بحسن السيرة والنخوة والشهامة والرزانة والحكمة، وأنتم من حافظ على الأرض لأنكم زرعها وقمحها وخيرها، وأنتم صناع الوطن الحقيقي الغيورين بإنتمائه وحبه، وأنتم الجيل الذي لا يعوض يا إكبارية البلد وتاريخه وإكباريتنا في هذه الحياة كلها لأنكم تاج رؤسنا، أفتخر بك أبي وسندي الذي يكفيني إن ذُكر أسمه اعتز به وأقول هذا أبي أنه المرحوم الحاج عبدالله أحمد المراشدة .