مرايا – شؤون نيابية – في جلسة لمدة 6 ساعات فقط، استغرقها أعضاء مجلس النواب الثامن عشر، وكانت كفيلة بإقرار مشروعي قانوني الموازنة العامة للدولة عن السنة الحالية والوحدات الحكومية أيضا، والتصويت على كليهما، وعلى جداولهما، وعلى توصيات اللجنة المالية.
وبطبيعة الحال، فإن مشروع قانون الموازنة الموافق عليه نيابيا بزمن قياسي، يحمل في طياته رفع الدعم عن الخبز وخلافه من تفاصيل أخرى كثيرة.
الحدث غير مسبوق وتاريخي، إذ لم يسبق لأي مجلس نيابي، أقلها منذ عودة الحياة الديمقراطية العام 1989 وحتى أول من أمس، أن أقر الموازنة في يوم واحد، فلطالما كانت أيام الموازنة طويلة وأحيانا تستغرق أسبوعا كاملا، وأقلها 3 أيام.
وأوجد الحدث “التاريخي”، قراءات مختلفة في الشارع ولدى مراقبين ومتابعين ونواب حاليين وسابقين وأحزاب ورأي عام، إذ رأى البعض أن ما جرى “طبيعي ويؤسس لعمل كتلوي حقيقي، ويمنح الكتل دورها الحقيقي بحيث يلتزم عضو الكتلة بكلمة كتلته”، وهو ما دفع به رئيس المجلس عاطف الطراونة الذي قال إن “المجلس ولأول مرة انتهج العمل الكتلوي في إقراره مشروعي قانوني الموازنة العامة والوحدات المستقلة، عبر التزام غالبية أعضاء المجلس بكلمة واحدة للكتل”.
واعتبر الطراونة أن “ما جرى في جلسة الأحد، لا يمكن وصفه بأنه سابقة سلبية، إنما سابقة إيجابية، فالنواب التزموا بكلمات كتلهم، وإلا فماذا يفيد حديث غالبية النواب وفي كلمات قد تبدو متشابهة طيلة أسبوع؟”.
أما الحكومة، فرأت، أيضا، فيما حصل “تطورا إيجابيا” على الصعيد التشريعي، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء هاني الملقي تحت القبة بقوله “إن جلّ المناقشات كانت من خلال الكتل النيابية، ما يعكس مأسسة غير مسبوقة للعمل البرلماني يؤطر الجهود ويعطي زخما مؤسسيا للأفكار والمداولات”.
والواقع أن نوابا كثرا حشدوا لجهة تسريع إقرار الموازنة، وهؤلاء يرون أن الفكرة “ليست في عدد أيام النقاش والخطابات والكلام، أو عدد الساعات”، موضحين أن الموازنة كانت “ستقر سواء أخذ المجلس 5 أيام من النقاش أو 6 ساعات، وبالتالي فإن المجلس كان واضحا ومتسقا مع نفسه، ولم يسمع الناس جعجعة بلا طحن كما كان يحصل سابقا”.
كما يرى أولئك أيضا أن “الرأي العام لطالما انتقد النواب بسبب طول المناقشات والمداولات، ولطالما قرأ النواب مقالات تسخر من ذاك التطويل وتدعو للاختصار”، مستغربين من “عدم الثناء على ما قام به المجلس من خلال منح الكتل حرية الكلام وحصر الحديث بها، باعتبار أن ذاك أمر غير مسبوق”.
ويؤكدون أن “الكلام بأن مجلس النواب مرر الموازنة بطريقة “السلق” غير حقيقي، إذ إن 58 نائبا أيد الموازنة من أصل 99 كانوا تحت القبة، بمعنى أن هناك 41 نائبا رفضوها، وهو رقم كبير ومرتفع كثيرا، وربما غير مسبوق”.
في المقابل، فإن نوابا آخرين أبدوا امتعاضا من التسريع الذي حصل، معتبرين أنه “غير مبرر”، وهو ما عبر عنه النائب نبيل غيشان أثناء إلقاء خطابه، عندما سأل رئيس المجلس عن سبب الاستعجال، كما عبر عنه نواب آخرون من خلال لقاءات فردية بهم، معتبرين أن “التسريع بهذا الشكل لم يكن مبررا، ولا يمكن أن نقول إن هذا الأمر تأسيس لعمل كتلوي، سيما وأن الكتل بالكاد أعلن عن تشكيلها”.
هذا الكلام عبرت عنه كتلة الإصلاح (14 نائبا) والتي تضم نواب حزب جبهة العمل الإسلامي ومستقلين وهي التي قاطعت جلسة إقرار الموازنة، وعلقت مشاركتها في الجلسة تحت مبرر أن ذاك نابع من موقفها الثابت الذي عبرت عنه المذكرة النيابية، برفض المناقشة لمشروع الموازنة حتى ترجع الحكومة عن كل الزيادات على الأسعار وكل الزيادات على الضرائب خاصة ضريبة المبيعات.
وقالت الكتلة إن “تحسين حال المواطن ومحاربة الفساد الذي عانى منه شعبنا من أهم دعائم قوة الأردن، ومن أبرز معينات الوطن على الصمود في وجه التحديات، وإن استغلال الحكومة للظروف الإقليمية المحيطة، وعلى رأسها ما يجري على ثرى القدس وفلسطين لتمرير سياساتها الاقتصادية المجحفة، أمر مؤسف ولا يليق، وتدليس في غير محله”.
وأضافت إن “الأصل في مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة أن يتصدى رجال الدولة لمواجهتها والتعامل معها خارجيا وداخليا، لا أن يلتمس حلها على حساب المواطن الضعيف، إن الأردن القوي اقتصاديا والمتماسك داخليا هو بعد معونة الله القادر على إسناد أشقائه في فلسطين”.
وقالت: “تابع الأردنيون كيف تمت عملية مناقشة مشروع الموازنة في سابقة ليس لها مثيل، حيث أقرت في يوم، وهي التي كان يستغرق نقاشها عدة أيام، الأمر الذي أعطى صورة سلبية ومخيبة لآمال الشعب الأردني عن أداء مجلس النواب”.
وما ذهبت إليه كتلة الإصلاح ذهب إليه نواب آخرون اعتبروا ما جرى “غير منطقي، وكان يجب عدم السماح به”، ويرون أن “ما حملته مواقع التواصل الاجتماعي من تعليقات بعد التصويت يعبر عن رأي الناس بالمجلس ومدى سخطهم عليه، سيما وأن الموازنة تحمل في طياتها رفع أسعار الخبز ومواد ومشتقات أخرى، ويرون أن إقرار الموازنة التي تتضمن زيادات في الأسعار مع رفع أسعار البنزين كان أيضا ضربة موجعة للمجلس وأعضائه”.