مرايا – شؤون محلية – في حلقتها الثانية من «حوار مع حكماء» حلت «الدستور» ضيفا على رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، الذي بقي منذ خروجه من الحكومة أحد أكثر رجالات الدولة تواصلا واتصالا مع الناس، وفتح أبواب الحوار في مختلف مناطق المملكة التي زار مدنها وقراها وبواديها بشكل مستمر، ليشكل نموذجاً فريداً في الحوار والنقد البناء والمسؤول، من خلال طرح برامج علنية والنزول للميدان ولقاء الشباب والفعاليات والحوار مع الناس والاستماع لهم وتطوير البدائل والاقتراحات.
الحوار مع سمير الرفاعي يحمل نكهة خاصة، فهو صاحب رؤية متضحة المعالم، ويقدم نفسه بالمشروع الذي يحمل وبالفكر الذي يتبنى، على الرغم من أنه من بيت سياسي عريق أضاف اليه وعيا مبكرا وكبيرا في مختلف جوانب الحياة السياسية الأردنية.
وفيما يلي نص الحوار :

الدستور: عملت الفترة الأطول من حياتك المهنية في الديوان الملكي وفي ظلال الهاشميين مع الملك عبدالله وقبل ذلك مع الملك الحسين ومع الأمير الحسن ومع الملك عبد الله. حدثنا عن خلاصة تجربتك «الهاشمية» تلك.
– الرفاعي : دخلتُ الديوان الملكي العامر، موظفاً في مطلع حياتي الوظيفية، وتدرّجتُ بالتسلسل الإداري المتّبع، وفي أكثر من موقع للعمل…وكان في الديوان جيلٌ من رجالات الدولة الكبار في مواقع متقدمة، هم أساتذة في العمل السياسي والإداري والبروتوكولي، وتعلمت منهم الكثير.
بطبيعة الحال، العمل في الديوان الملكي يبقيك على مسافة قريبة لتتعلم من أخلاقيات سادة آل البيت وسموّ قيمهم. والحقيقة أن الحكم بالنسبة للهاشميين هو رسالة بالدرجة الأولى وأمانة.
ولذلك، فإن المرء وفي كل موقع من مواقع الخدمة المباشرة بمعية الهاشميين يتعلم كل يوم درساً جديداً، وأهم هذه الدروس هو ما يتعلق بالقيم والمُثُل السامية التي نذرت هذه العائلة الشريفة نفسها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً للقيام بها وحمل رسالتها.
وهذه السمات هي حقائق يدركها كل مَن أُتيح له أن يخدم بمعية سادة آل البيت في كل مواقع العطاء؛ في ميادين الشرف في القوات المسلحة الأردنية، وفي السلطة التنفيذية وفي مجالات العمل التنموي المتعددة وفي السياسة الدولية والمحلية وفي العمل الإنساني بمجالاته المتنوعة..
وقد تشرفت بعد أن تم تعييني بالتشريفات الملكية أن أخدم بمعية سمو الأمير الحسن بن طلال لمدة 10 سنوات. هذه الخدمة صقلتني بشكل كبير. فللأمير حفظه الله طاقة هائلة ولا يعرف الراحة. وقد أطلعتني هذه التجربة على معرفة الأردن بشكل كامل ودقيق فكان الأمير ضمن برنامجه الأسبوعي في الميدان بشكل مستمر. وأيضا كان يتابع مع الحكومات بأمر من جلالة المغفور له باذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه الخطط الاقتصادية والتنموية. وكان أيضا يقوم بزيارات خارج الأردن لشرح المواقف الأردنية للمجتمع الدولي، وقد تم ترفيعي أثناء عملي بمعية سموه إلى سكرتير خاص ومن ثم إلى مدير المكتب الخاص.
وبعد أن خدمت بمعية سموه، شرفني جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه في مطلع عهده الميمون والممتد باذن الله تعالى، بأن أعمل أمينا عاما للديوان الملكي ومن ثم مستشارا فوزيرا للبلاط الهاشمي.
وقد تعلمت من جلالة سيدنا حفظه الله الكثير، فهمُّ جلالته الأول والأخير هو المواطن الأردني وسياسة جلالته في الداخل والخارج دائما بهدف الانعكاس الإيجابي على حياة الأردنيين.
وجلالته صبور واسع الصدر وهو دائماً القائد والعسكري الذي يعمل برؤى واضحة وأطر واضحة وتخطيط واضح، وقد أتاحت له خدمته العسكرية الميدانية أن يعرف كل تفاصيل الأردن؛ المدن والبوادي والأرياف والعائلات والعشائر، وأن يعرف عن كثب احتياجات الأردنيين وآمالهم وهمومهم؛ فالخدمة العسكرية الطويلة التي قضاها جلالته في الميادين المختلفة وبين رجال القوات المسلحة، أتاحت لجلالته معرفة تفاصيل التفاصيل، بالإضافة لبرامجه وجولاته المستمرة بين أهله في جميع أنحاء المملكة.
وكنت أعمل مع الحكومات المتعاقبة أثناء عملي في الديوان الملكي على ترجمة توجيهات جلالة الملك ونقل ملاحظاته حول سير العمل، وكان جلالة الملك باستمرار داعما لمن يحملون أمانة المسؤولية طالما هم يخدمون المواطن الأردني ويعملون على تحسين مستوى معيشته.
في كل هذه الميادين وغيرها يتقدم الأشراف الهاشميون الجميع، بالعطاء وتقديم نموذج الحكمة وسعة الصدر والتسامي عن الصغائر.
وهم كانوا دائماً وما زالوا، مظلة للجميع، يتقبلون الأفكار والتوجهات المختلفة ويسعون نحو تعزيز التنوّع، ويحترمون الآراء المتباينة، ويؤمنون دائماً بالتحديث والتطوير والانفتاح على العالم، مع ارتباطهم بالثقافة العربية الإسلامية المعتدلة واحترامهم وخدمتهم للتراث والأصالة.
كل رئيس حكومة يودّ لو أن الأمور
في عهد حكومته «قمرة وربيع»
الدستور: يأتي رؤساء الحكومات فيرفعون الأسعار ويتخذون قرارات مالية واقتصادية منهكة، وعندما يغادرون يتحول اكثرهم الى نقد أداء الرئيس الجديد! الى ماذا تعزو هذه الظاهرة ؟
– الرفاعي : أولاً، لا يأتي أيّ رئيس وزراء أو أي فريق وزاري وهو يرغب برفع الأسعار أو التضييق على حياة الناس. كل رئيس يودّ لو أن الأمور في عهد حكومته تكون «قمرة وربيع»، وأن تشهد حلولاً لمشكلات البطالة والفقر والتنمية وأن تنخفض الأسعار إلى أدنى حد.
لكن، وكلكم تعلمون أن ظروف البلد وسط الأزمات الإقليمية المتصلة، وبشكل خاص منذ عام 2003م، وحتى اللحظة، وهي تعاني من الانعكاسات الصعبة ومن الكلف العالية وانحسار المساعدات وتخلي الآخرين عن القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم لتعزيز موقف وقدرات الأردن على حمل هذه الأعباء منفرداً.
وفي مقدمة كل ذلك، مسألة اللاجئين، والتي تفاقمت إلى مستويات مرهقة منذ الأزمة السورية، أثرت على اقتصادنا وعلى فرص العمل وعلى البُنى التحتية والخدمات وعلى مشاريعنا وخططنا لتنمية المحافظات وغير ذلك.
بالتالي، عمل الحكومات في الفترة الأخيرة، انحصر في مجال إدارة المصاعب، وهناك اتجاهات عديدة فرضت نفسها على الساحة، وهناك رؤى ومدارس في إدارة هذه المصاعب والتحديات.
وأعتقد أن من الطبيعي ومن الصحي، أن ينبري رئيس وزراء أو وزير سابق للإدلاء برأيه في قضايا الإدارة والاقتصاد والسياسة العامة، إذا كان يعتقد أن لديه بدائل أفضل لخدمة الناس، أو أن الأمور لا تسير في اتجاهها الصحيح، والأصل، أن يتم التعامل باهتمام مع هذه الطروحات لا أن يُنظر لها على أنها مجرد مناكفة أو محاولة لاستعادة الأضواء.
والمسؤولون الواثقون بأنفسهم الحريصون على الخدمة لا يقفون عند هذه المسائل ولا يتحسسون من الآراء الأخرى أو من النقد البناء.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى أودُّ أن أفرّق بين نوعين من النقد؛ الأول وهو ما تشهده الغرف المغلقة والصالونات المعزولة في عمان الغربية، والثاني، هو النقد البناء والمسؤول من خلال طرح برامج علنية والنزول للميدان ولقاء الشباب والفعاليات والحوار مع الناس في المحافظات والاستماع لهم وتطوير البدائل والاقتراحات، وأظنكم تعرفون جيداً الفرق بين النمطين، ويكفي القول إن النمط الأول يدخل في بند النميمة والسلبية وإشاعة أجواء الإحباط؛ فيما ينطلق النمط الثاني من إحساس بالمسؤولية والإيمان بالحوار والتنوع وتوسيع قاعدة المشاركة.
ومخطئٌ أي مسؤول سابق يعتقد أن الانتقاد سيرجعه إلى موقع المسؤولية، ويخطئ أي مسؤول باعتقاده أن الأمور لن تتحسن إلا بوجوده، فالمواطنة الصالحة تعني الحوار حول الحلول وإيصال النصيحة للحكومات للاستفادة منها.
وبرأيي -أيضا- أن كل المسؤولين السابقين عليهم دعم الحكومات التي تقدم حلولا وتحسن من معيشة المواطن.
وعندما يرى المسؤول السابق أي إجراء يشعر بأنه ليس في مصلحة الوطن أو جلالة الملك عليه الإشارة لهذا القرار، لأنه عندما أقسمَ بالله العظيم «ان يكون مخلصاً للملك، وأن يحافظ على الدستور وأن يخدم الأمة ويقوم بالواجبات الموكولة إليه بأمانة» فإنه يجب عليه الالتزام بذلك اليمين حتى مماته وليس فقط أثناء توليه المنصب.
برأيي الشخصي هذا هو المعيار الوحيد للنقد بعيداً عن المجاملة على حساب مصلحة الوطن أو لا سمح الله المناكفة لأغراض سياسية.
وعودة لسؤالكم، أنا برأيي، ليست زيادة الضرائب هي الحل الأمثل لخلق نمو مستدام، وهذا الذي كنت أتكلم فيه بشكل واضح؛ ففي عام 2010 قامت الحكومة التي تشرفت برئاستها بإعداد قانون ضرائب جديد وعصري، حيث تم دمج العديد من القوانين بقانون واحد؛ ما أدى إلى تبسيط الإجراءات الإدارية من جانب وتخفيف الأعباء الضريبية على الأسر الأردنية وعلى القطاعات الاقتصادية المختلفة من جانب آخر، ووضع السياسات والإجراءات الضرورية لتخفيض عجز الموازنة العامة وبشكل تدريجي من حوالي (9%) من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009 إلى (6%) لعام 2010 ، وتم ذلك مع تخفيض جميع الشرائح الضريبية الثلاث وتخفيض على الإعفاءات على رسوم الأراضي وغيره.
كما قامت الحكومة التي تشرفت برئاستها بزيادة رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين ومع ذلك تمكنت أيضا من تخفيض العجز الذي كان في عام 2009 مقداره 1509 ملايين الى 1045 مليونا في نهاية عام 2010.
كما وقمنا بإلغاء تقاعد أعضاء مجلس الأمة وكنا نعمل على إعادة هيكلة تقاعد الوزراء، كما تم إقرار شطب 29 ألف سيارة حكومية، ولكن لم نستطع تنفيذ هذه القرارات والانتهاء منها قبل استقالة الحكومة.
ففي ظل ما سمي بالربيع العربي نشأت مشاكل وتفاقمت، وبعد ذلك اتخذت حكومات قرارات اعتقدتْ أنها تصحيحية ولكن برأيي المتواضع كانت قرارات حصرت النمو وتم انفاق الكثير على مشاريع لم تخلق فرص عمل ولم ترفد الخزينة بالإيرادات المتوقعة ولم يصحب ذلك خطة تقشفية حقيقية ومجدية للنفقات الجارية والتشغيلية على مستوى الحكومة.
بالنسبة لي، أنا أؤمن بضرورة التركيز على تحفيز النمو الاقتصادي لخفض المديونية وتوجيه الإنفاق لخلق فرص العمل وزيادة تنافسية الأردن وزيادة القوة الشرائية للمواطن، فالدينار بيد المواطن يدور الحركة الاقتصادية وتستفيد منها المنشآت الاقتصادية من الدكان إلى المصنع وسيزيد ذلك في المستقبل الإيراد الحكومي بشكل غير مباشر.
أما عند الحديث عن القطاع العام، فنحن بحاجة إلى البدء في حل القضايا الحقيقية داخل الحكومة. ما زلنا نتحدث عن حقيقة أن هناك عدداً كبيراً من الموظفين في الحكومة، ففي ظل هذه الأعداد الكبيرة ربما حان الوقت لإنشاء فترتين لعمل المؤسسات الحكومية (من 8 صباحاً إلى 3 بعد الظهر ومن 3 بعد الظهر إلى 10 مساءً)؛ بهذه الطريقة تكون المؤسسات الحكومية مفتوحة لفترة أطول ويمكن للناس الاستفادة من خدماتها بعد انتهاء أوقات دوامهم الرسمية وللموظفين أن يعملوا بكفاءة أعلى.
برأيي، حجم الحكومة كبير جدا ولا يمكن استيعاب أعداد أكبر من الموظفين والطريقة الوحيدة لخلق فرص عمل حقيقية تكون مثلاً بتقديم إعفاءات ضريبية، بغض النظر عن القطاع، لأي منشأة تستخدم جزءا من أرباحها لخلق فرص عمل جديدة أو للاستثمار في المحافظات؛ وكلما زادت قيمة المبالغ التي تقوم هذه المنشآت بإنفاقها على خلق فرص عمل جديدة، انخفضت الضريبة المفروضة عليها.
وبالوقت نفسه يجب النظر إلى وضع رسوم على الأراضي غير المستغلة في غرب عمان وأيضاً على المنازل التي تزيد قيمتها عن مليون دينار مثلاً ومنشآت الرفاهية في تلك المنازل كحمامات السباحة كما فعلت الحكومة التي تشرفت برئاستها عام 2010.
إن الهدف الأكثر أهمية وحساسية لدينا في الأردن الآن، وأكثر من أي وقت مضى هو حل مشكلة البطالة، وقد سبق لي وأن قلتها في أكثر من مناسبة: «البطالة ثم البطالة ثم البطالة».
فاليوم 37.7% من شبابنا وشاباتنا في الأردن عاطلون عن العمل وما يقارب من 70% من العاملين رواتبهم دون الـ 500 دينار، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية لأنهم لن يكونوا من الطبقة الوسطى لعدم قدرة القطاع العام على رفع رواتب العاملين فيه بسبب التكلفة العالية للرواتب والتقاعد اليوم وأيضاً عدم قدرة القطاع الخاص على رفع الرواتب والأجور لأن الوضع الاقتصادي ازداد تعقيداً في السنوات الأخيرة. ولذلك يجب دعم القطاع الخاص وإعطاؤه ميزات وحوافز لخلق فرص عمل حقيقية.
في البنوك الأردنية هناك حوالي 33 مليار دينار، على شكل ودائع وادخارات، أرى أنه من الأولى أن يدخلوا في استثمارات في الأردن وأن تعطى للمستثمر الأردني سواء المقيم في الأردن أم المغترب الحوافز نفسها المقدمة للمستثمر الأجنبي.
ولا بد من القيام بإجراءات محفزة لرفع سوية المحافظات والأطراف كخفض رسوم الأراضي مثلا وخفض تعرفة الكهرباء..الخ، بهدف توجيه الاستثمارات لتلك المناطق، وإعطاء حوافز إضافية للأردنيين المغتربين عند استثمار أموالهم التي في الخارج داخل الأردن.
وللتعامل مع الوضع الاقتصادي، علينا أن نعمل على رفع النمو الاقتصادي إلى 6% وأن نجذب استثمارات بحوالي 5 مليارات دولار سنوياً، للبدء في حل موضوع البطالة، وهذا يتطلب اجراءات عديدةً غير تقليدية، والتركيز على استثمارات القيمة المضافة للصناعات المحلية كالبوتاس والفوسفات والاستثمارات المعرفية كتكنولوجيا المعلومات وفي طبيعة الحال الخدمات ومنها السياحية والعلاجية والمشاريع الكبرى وخاصة النقل والسكك الحديدية والمياه والطاقة.
كنت أفضل أن تكون المدينة الجديدة
أبعد أكثـر عن عمَان نحو الجنوب
الدستور : تحدثت قبل أكثر من عام عن مبادرة مدينة «عمان الجديدة»، ما هي ملاحظاتك بعد أن قامت الحكومة بتبني الفكرة ووضعها حيز التنفيذ؟ .
– الرفاعي :مبادرة مدينة «عمان الجديدة» خطوة ممتازة، وجذب الشركات العالمية الكبرى لمشروع كبير كهذا يشكل أرضية لتكون الأردن قاعدة لإعادة إعمار دول الجوار.
ومع انني كنت أفضل أن تكون المدينة الجديدة أبعد أكثر عن عمَان نحو جنوب المملكة، ولكن يمكن للمدينة المصممة تصميما جيدا أن تحسن نوعية حياة الأسر الأردنية بشكل كبير من خلال توفير نقلة في نوعية وحيوية الأحياء السكنية: مساحات خضراء حقيقية؛ الحدائق والملاعب؛ ومرافق التعليم والرعاية الصحية المتكاملة؛ القرب من الخدمات الحكومية؛ خيارات ترفيهية داخلية وخارجية عالية الجودة للعائلات، وما إلى ذلك.
إن إزالة جزء كبير من الازدحام في وسط عمان، حيث يتنقل معظم موظفي الخدمة المدنية ويتعامل معظم الأردنيين مع الحكومة المركزية، سيزيد من الكفاءة ويقلل من وقت النقل وتكلفته (التي من المتوقع أن ترتفع بشكل كبير في الأعوام القادمة).
وقد يكون مثل هذا المشروع وسيلة لتخفيف بعض الضغوطات:
أولا، من خلال استخدام الأراضي المملوكة للحكومة في المنطقة الجديدة وإنشاء بنك للأراضي في المناطق المحيطة، فإن قيم أصول بنك الأراضي ستتحسن مع زيادة قيمة الأراضي في المنطقة.
وثانيا، يمكن تخفيض المسؤولية المستقبلية لنظام التقاعد عن طريق منح المستفيدين الحاليين من التقاعد خيار تبادل القيمة الحالية لمستحقاتهم التقاعدية في المستقبل بأسهم في الشركة الإنمائية التي تنشئ المدينة؛ أو بقيمة نقدية لشراء العقارات في المدينة الجديدة.
وسيكون لذلك آثار إيجابية عديدة:
– تخفيف العبء طويل الأمد على الميزانية عن طريق خفض عدد المستفيدين (الأشخاص الذين «يسحبون» مستحقاتهم المستقبلية مقابل أسهم في شركة التطوير أو الممتلكات المادية).
– خلق فرصة لنقل العديد من الأسر الأردنية ذات الدخل المنخفض إلى مستوى الطبقة الوسطى من خلال إنشاء آلية تمكنهم من الحصول على ثروة أصول حقيقية.
ومن أجل تسهيل هذا النوع من ترتيبات الملكية، سيتم استخدام أسواق رأس المال، بما في ذلك البورصة المحلية، وتوفير حافز إضافي لتعميق أسواق رأس المال المحلية وتطوير قطاع الخدمات المالية لدينا.
أكرر الدعوة لضرورة العودة
إلى خدمة العَلم بأسلوب وشكل جديدين
الدستور: دعوت وفي أكثر من مناسبة لضرورة العودة إلى خدمة العلم، ما هي رؤيتك للموضوع؟ .
– الرفاعي : نعم، صحيح.. واسمحوا لي هنا أن أكرر الدعوة لضرورة العودة إلى نظام خدمة العلم، وبأسلوب جديد، وشكل جديد؛ فالمؤسسة العسكرية الأردنية، هي عنوان الإباء والشرف، وهي الجامعة الأولى في الوطنية، ودمج الشباب، ضمن عمل جماعي منضبط، ورفع الروح المعنوية، وتوجيه الطاقات الشابة نحو الخير والعطاء والاندماج بالمجتمع.
وبالإضافة إلى كل ما يمكن أن يكتسبه أبناؤنا وبناتنا الشباب، من أخلاقيات المؤسسة العسكرية ومبادئها الراقية، ومن ثقافة وطنية، وتأهيل وإعداد معنوي، خلال ستة أشهر من التدريب الميداني، فإنه من الضروري أن يصار إلى وضع خطة متكاملة بالتنسيق مع القطاعين العام والخاص، لاستكمال خدمة العلم مدنيا، وبإشراف القوات المسلحة وبالأخص المتقاعدين العسكريين، من خلال توفير فرص عمل للشباب والشابات، لمدة لا تقل عن عام، بعد إتمام فترة التدريب الميداني، ليكتسبوا خبرة عملية بروح انضباطية عسكرية، تحقق فرصة مهمة لمتابعة العمل الكريم في كل مجالات الإنتاج والعطاء.
أدرك تماماً أن الأمر مكلف مادياً، ولكنني على يقين تام بأن الفائدة من العودة إلى خدمة العلم ستعم على الجميع وستكون مجدية جداً على جميع الأصعدة.
أوراق جلالة الملك النقاشية علامة فارقة
على مستوى الحوار الوطني العام
الدستور: سمعنا منك في جلسات سابقة تألمك وتأسفك على ان أوراق الملك النقاشية لا تحظى بما تستحق من عناية واهتمام وعمل من اجل تنفيذها وتطبيقها على ارض الواقع. سمعنا ذلك أيضا من دولة طاهر المصري. ماذا في جعبتك لتحويل هذه الشكوى العامة الى فعل تنفيذي ميداني؟.
– الرفاعي : أوراق جلالة الملك النقاشية هي علامة فارقة على مستوى الحوار الوطني العام والارتقاء بالنقاش إلى حيث يجب أن يكون، حول العناوين الرئيسة والمجالات الحيوية، التي يرتبط بها حاضر ومستقبل البلد، وتجسد المعاني السامية التي قامت على أساسها الدولة الأردنية الحديثة، كدولة مدنية عصرية مؤسسية تُعلي من قيم المشاركة والتفاعل وحقوق الإنسان، وتحترم سيادة القانون وحق التنوع، وتنشد الحياة الفضلى لأبنائها.
والأوراق الملكية النقاشية لم تكن موجهة للحكومات وحدها، وإلا لكانت صدرت على شكل توجيهات أو أوامر سامية ، ولكنها أفكار طرحها جلالة الملك، ولخّص من خلالها الأهداف العامة، وطلب النقاش فيها والتوافق حول آليات التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، بحيث يسهم المختصون والخبراء والمهتمون بالرأي، وصولاً إلى برامج قابلة للتطبيق وللقياس والمساءلة، نقوم من خلالها بتطوير برنامجنا الوطني في كافة المجالات.
وأنا أعتقد أن الأردنيين تفاعلوا مع الطروحات الملكية والأطر العامة التي حددها جلالة الملك، وقرأنا وتابعنا العديد من الدراسات والندوات والحوارات حول الأوراق النقاشية.
ولكن، ملاحظتي هي حول إسهامات الهيئات والفعاليات السياسية والثقافية والاقتصادية في طرح البرامج المقترحة والآليات القابلة للتطبيق، وإخضاعها للنقاش العام.
أعتقد أنها لم تكن كافية ولا متناسبة مع زخم ما جاء في الأوراق الملكية النقاشية ولا في تفاعل الناس معها، وكأن البعض يريد من الحكومات وحدها، أن تحول الأوراق النقاشية إلى خطط وبرامج، وهذا خلاف للمقصود برأيي من فكرة الأوراق النقاشية وفلسفتها.
المسؤولية في الأردن ليست نوعاً
من الرفاه أو امتيازاً خاصاً أو شيئاً يورّث
الدستور: دولة سمير الرفاعي هو نجل دولة زيد الرفاعي وحفيد دولة المرحوم سمير الرفاعي. كيف تتعامل مع هذا الإرث في عصر لم يعد التوريث فيه موضع ترحيب؟ .
– الرفاعي : عندما أقرأ تاريخ الأردن وأتبيّن المراحل الصعبة والخطرة التي مرّت علينا، وكيف استطاعت قيادتُنا الهاشمية الحكيمة أن تعبر بالأردن دائماً ليس فقط إلى بر الأمان ولكن أيضاً، إلى آفاق الازدهار والرفعة والتطور، بالرغم من التحديات؛ أشعر بالاعتزاز بإرث رجالات الرعيل الأول، ومن بينهم أفرادٌ من عائلتي، ودورهم في خدمة الدولة والأردنيين والراية الهاشمية الخفاقة.
وفي تلك المحطات كانت المسؤولية التنفيذية هي جزء من الجندية الصادقة، وكان المسؤولون رؤساء ووزراء وسفراء وغيرهم مستعدون دائماً للتضحية وللشهادة أسوة بإخوانهم في الجيش العربي والأجهزة الأمنية وسائر مؤسسات الدولة.
إذن، المسؤولية لم تكن في الأردن نوعاً من الرفاه أو امتيازاً خاصاً أو شيئاً يورّث، وإنما هي مجابهة تحديات ومصاعب، وعندما نتحدث عن جيل إبراهيم هاشم وتوفيق أبو الهدى وسمير الرفاعي وسعيد المفتي، نتحدث عن رعيل أول، قدم تضحيات كبيرة.
وكان منهم رئيس وزراء شهيد هو المرحوم إبراهيم هاشم، وأيضاً وزير شهيد هو المرحوم سليمان طوقان، وقبل كل شيء وفي المقدمة، لدينا ملك شهيد هو الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين طيَب الله ثراه.
هذه الخلفية التاريخية ضرورية في الحديث عن جوهر المسؤولية في الأردن، وهو ما استمرّ في مرحلتيّ الستينيات والسبعينيات، فقد بدأ عقد الستينيات بشهيد كبير هو المرحوم هزاع المجالي، وبدأ عقد السبعينيات بشهيد بطل هو المرحوم وصفي التل، وفي تلك المراحل كان أغلب المسؤولين يتوقعون الشهادة دفاعاً عن الأردن الغالي ومسيرته واستقلاله.
وتعلمون أن والدي وبعد أيام قليلة من استشهاد الرئيس وصفي التل في القاهرة، تعرض لمحاولة اغتيال في لندن، من الجهة الإجرامية نفسها التي اغتالت الشهيد التل.
علينا أن نتذكر دائما تضحيات أجيال من الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة الوطن، وكل ما تعرض له الأردن منذ تأسيسه، وعلينا دور في توعية شبابنا بما تم إنجازه من شبه معجزات من قبل الرجال الأوفياء للأردن والقيادة الهاشمية.
ولا يجوز لأحد أن يعتقد بأن تاريخ الأردن بدأ به وأن يحاول اغتيال الشخصيات وانجازاتهم في ظل الراية الهاشمية.
هذا من ناحية تاريخية، أما من ناحية عملية، فلا يوجد في سيرتي المهنية والوظيفية ما يعطي الانطباع بأنني ترفعتُ استثنائياً أو قفزتُ درجةً بحكم أنني ابن رئيس وزراء.
وربما العكس تماماً، في بعض المحطات، عندما كان والدي رئيساً، كان يتحتم عليّ أن أتحمل تبعات ذلك على صعيد الفرص والترقية، وعندما غادر والدي موقع المسؤولية تحملتُ التعامل مع مناوئين له، كان بعضهم مسؤولاً عني، ولكن، ضمن أخلاقيات الأردنيين، وتحت مظلة العرش التي لا تقبل الإقصاء أو التعامل الانتقامي.
وواصلتُ مسيرتي الوظيفية في الديوان الملكي، بتدرّج طبيعي، وصولاً إلى موقع أمين عام الديوان الملكي الهاشمي، ومن ثم مستشاراً، وثم وزيراً للبلاط الهاشمي.
مسألة أخرى أحب أن أشير لها هنا، وهي أن أبناء رؤساء الحكومات هم مواطنون أردنيون، لديهم اتجاهات وميول سياسية وثقافية وطموحات متعددة، ولكن من الطبيعي أن يتأثر الأبناء بالأجواء التي نشأوا فيها، فنجد مثلا ابن الطبيب يميل إلى دراسة الطب كما يميل ابن المحامي أو المهندس أو الصحفي إلى المحاماة أو الهندسة أو الصحافة، الخ.. ، وعلى كل شخص بعد أن يختار مسار عمله أن يثبت كفاءته وجدارته لكي يتقدم في مجال العمل الذي اختاره.
أنا شخصيا كان لدي اهتمام بالسياسة والتاريخ منذ صغري، وكان بالنسبة لي الإصغاء حتى على طاولة الطعام بمثابة دروس من الأردن وعن التحديات التي جابهها بصلابة الأردنيين والتفافهم حول قيادتهم، وكان لي الشرف في مراحل مبكرة جداً من عمري بأن استطيع أن اجلس ايضا واستمع وأتعلم من الكبار وهم يتحدثون عن السياسية.
ولا أعتقد بأن جلالة سيدنا قد قرر تكليفي برئاسة الحكومة لأنني ابن رئيس وزراء، ولا أعتقد بأن جلالة المرحوم الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه قرر تكليف والدي برئاسة الوزراء لأنه كان ابن رئيس وزراء، ولا أعتقد بأن جلالة الملك عين وزراء لأنهم ابناء وزراء أو مسؤولين.
وهنا أود أن أذكر أنه ليس هناك ما يسمى بتوريث سياسي، فلا أحد يمتلك منصب رئيس وزراء أو وزير أو عين أو سفير أو أي موقع رسمي آخر حتى يقوم بتوريثه، لكن، علينا أن نعترف بأنه توجد فجوة ثقة بين المسؤول والمواطن اليوم ، ويوجد شعور بأن المواطن هو الذي يأكل العصي والحكومة هي التي تعدها! . وربما هذا الشعور هو الذي يخلق حالة من أن أي شيء تقوم به الحكومة مشكوك فيه من قبل أن تبدأ.
وهذا يخلق الشعور بأن أي شخص يأتي من عائلة تبوأ أي أحد من أفرادها مواقع مسؤولية مشكوك به، وكأن المسؤولين وأبناءهم ولدوا في بلد آخر وفي معزل عن حياة الناس وهمومهم وآمالهم.
ولكن الحقيقة هي أننا ولدنا وتربينا وترعرعنا في حضن هذا الوطن وبين أبنائه وأنا أتذكر دائما طفولتي في عمان بحلوها ومرها وأذكر أصدقائي وأبناء حارتي وشوارع عمان الجميلة، والباص الذي كان يأخذني إلى المدرسة وهيبة المعلم حيث «كنا نأكل عصي لنوزع»!!
وهذا يجب أن نتعامل معه لأننا جميعاً أبناء وطن واحد والبلد كبرت وتغيرت، وصار الشعور أن العائلة الواحدة انقسمت الى طبقات وايضا الفرص المتاحة للشباب بالتعليم ليست ممنوحة للجميع.
إن مبادرات جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظمة لتدريب المعلمين ورفع كفاءاتهم تستحق منا جميعاً كل التقدير والعرفان وما تقوم به وزارة التربية والتعليم حالياً من تحسين مستوى التعليم والتدريب جيد والأمل أن تصبح المدارس الحكومية بسوية المدارس الخاصة، وكذلك يجب الاهتمام بالجامعات ومستوى خريجيها.
يجب أن يتاح لجميع الأردنيين نفس فرص النجاح المتاحة لأهل عمان الغربية وهنا مفتاح الحل، ويجب أن يكون المقياس الوحيد هو الكفاءة وتكافؤ الفرص، وهنا يجب أن لا يُحسب للشخص نسبُه وأيضا لا يحسب عليه.
عاجلا أم آجلا ستعود علاقة الأردن
بالعراق وسوريا كما كانت وأفضل
الدستور: كان لدولة الوالد زيد الرفاعي صلات قوية بالنظام السوري، هل يفكر الوالد وتفكرون، في اغتنام تلك العلاقات لإعادة بناء العلاقات الأردنية – السورية في الحقول السياسية والدبلوماسية والتجارية والاقتصادية والترانزيت وغيرها؟ .
– الرفاعي : علاقة والدي بالقيادة السورية وبجميع الأنظمة والقيادات العربية والأجنبية هي دائماً منذورة لخدمة الأردن، وانطلاقاً من فهم سياسي استراتيجي لموقع الأردن وعمقه وعلاقاته، وتحت أمر القيادة العليا تبعاً لقراءات استراتيجية أو تطورات إقليمية.
وهذه الحال، هي من سمات السياسة الخارجية الأردنية ودلائل حيويّتها الدائمة، هو ما سيبقى دائماً، بمعنى إن أي علاقة لسياسي أردني، سابق أو حالي، تقرّبه من القيادة أو مؤسسات الحكم، في أي دولة في العالم، ينبغي أن تكون هذه العلاقة في موقع التأهّب والاستعداد لخدمة المصالح الأردنية العليا عندما يتطلب الأمر.
وأنا شخصيا برأيي أن علاقة الأردن الإيجابية مع كل دول الجوار يجدر أن تصب في مصلحة الأردن وبإذن الله عاجلا أم آجلا ستعود العلاقة بين الأردن والعراق والأردن وسوريا كما كانت وأفضل، أسوة بعلاقتنا الممتازة مع دول الخليج والدول الأخرى.
السنوات السبع الماضية
كانت الأصعب والأخطر، ولكننا تخطيناها
الدستور: تغرق المنطقة في الحروب، والحروب الأهلية والإرهاب والظلم والعدوان. ما هو حالنا في هذا الظلام الكثيف:حال الأردن، حال فلسطين، حال سوريا واليمن وليبيا؟ .
– الرفاعي : سؤال كبير ومتشعّب، وأبدأ من حال الأردن، وباختصار شديد، الحمد لله، الأردن اليوم يعاني فقط من تحديات اقتصادية، وهي، مهما كانت حدتها، تبدو وكأنها لا شيء مع ما تجابهه دول الجوار ودول امتلكت إمكانيات اقتصادية هائلة وثروات اقتصادية ولكنها افتقدت الاستقرار أو استقلال الإرادة والقرار، وبالتالي، فالأردن، في ظل هذا المحيط، هو- والحمد لله- بخير وسيبقى الخير إنْ شاء الله ملازماً لهذه المسيرة ومقترناً بها.
السنوات السبع الماضية ربما كانت الأصعب والأخطر، ولكننا تخطيناها والحمد لله، بفضل امتلاك جلالة الملك عبدالله الثاني رؤية استشرافية، والتصرف الحكيم مع الأزمات المحيطة وبالذات الأزمة السورية ورفض التورط فيها، والتمسك بالموقف المبدئي إزاء وحدة سوريا وسلامة مؤسساتها وأولوية الحل السياسي الذي يضمن إنهاء الأزمة.
كما يسجل التاريخ للأردنيين أعلى مستويات الوعي، خلال الفترة الصعبة، من حيث تمسكهم بسلمية التعبير والتفاعل الديمقراطي والتزام الدستور، وهو ما عبرت عنه المعارضة الوطنية الأردنية الملتزمة خلال الفترة الماضية.
وكذلك، كانت المؤسسات الأردنية الأمنية والعسكرية الأكثر كفاءة في حماية أمن الأردن وصون حدوده، ومنع تسلل التنظيمات الإرهابية إلى أراضيه، كما في التعامل المنضبط الكفؤ مع كل التفاعلات السلمية الداخلية.
حال فلسطين، للأسف الشديد خسرت القضية الفلسطينية مركزيتها على الأجندة الدولية وعلى الأجندة العربية خلال السنوات السبع الماضية، وطرأت ملفات أخرى استأثرت باهتمامات دول وحكومات دولية وعربية، ابتداء من الحرب على الإرهاب، مروراً بالملف النووي الإيراني والأزمة السورية وحرب اليمن والملف الكردي وأزمة ليبيا وغير ذلك. كل هذا كان على حساب أولوية القضية الفلسطينية.
من جهة أخرى، شهدت السنوات الماضية انزياحاً لدى المجتمع الإسرائيلي نحو يمين اليمين، ويقود الآن هذا التيار المتشدد الدفة في إسرائيل، في غياب للتواصل مع الشارع الإسرائيلي والاتجاهات الأخرى التي ما زالت تؤمن بالسلام ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية وعلى أساس حل الدولتين. هذا التيار يتراجع داخل إسرائيل نفسها. وجاء قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة إلى القدس ليعمّق من الأزمة ويأخذها باتجاهات أخرى وغير مأمونة.
في كل هذا الواقع المؤسف، وقف الأردن وربما وحيداً في كثير من الأحيان، بتأكيده على الحق الفلسطيني وأولوية القضية الفلسطينية ومركزيّتها، وتذكير العالم بمسؤولياته تجاهها.
وكان لجلالة الملك عبد الله الثاني، دائما، الدور الأكبر في حماية المقدسات والدفاع عنها وفي الوقوف بوجه محاولات فرض الأمر الواقع.
أما حال سوريا واليمن وليبيا، فلكل حالة ظروف وحيثيات خاصة بها، ويكفي القول إنها أزمات طالت كثيراً، ودفعت ثمنها الشعوب دماراً وتنكيلاً وتشريداً.
وأكثر ما يقلقني حقًا، هو جيل الشباب في هذه الدول الشقيقة التي نكبتها الحروب والأزمات.
هناك جيل من الأطفال شبوا وأصبحوا اليوم شباباً، وقد حرمتهم الأزمات من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم والغذاء والمسكن الملائم، فضلاً عن فقدانهم معنى وجوهر الأمن وتعرضهم لمخاطر جسيمة.
هذا الجيل بحاجة للكثير من التفكير والجهد والإمكانات لإعادة تأهيله من جديد، وليتمكن من بناء مستقبله بعد أن دمّرت الحروب حاضره.
ضعف الصف العربي وتراخيه أعطى إيران وتركيا،
القدرة على التدخل في الملفات الداخلية العربية
الدستور: كنا نواجه تحديا استراتيجيا واحدا هو الاحتلال الإسرائيلي. ثم دخل الإرهاب على جدول اعمال المنطقة، فدفع الى الخلف، تحدي الاحتلال الإسرائيلي، ثم أدخلت ايران على جدول التحديات الاستراتيجية فاصبحت إسرائيل ثالثا، لقد اصبحنا امام ثلاثة تحديات استراتيجية، فما هو تأثير ذلك علينا؟ .
– الرفاعي : المشكلة الرئيسة اليوم هي في الواقع العربي نفسه، ليست فقط في الملفات، وإنما في موقعنا كعرب من هذه الملفات، وأين هو دورنا في حيّز التأثير.. وهل للعرب الآن دورٌ مؤثر في صناعة القرار في المنطقة، وهل نحن الطرف الرئيس في الحل والعقد، على صعيد قضايا المنطقة؟ .
أسئلة متداخلة، يصعب فصلها عن بعضها البعض؛ فمثلاً ملف الإرهاب، هو ليس بمعزل عن عجز المجتمع الدولي عن حل القضية الفلسطينية وإلزام الإسرائيليين بالرضوخ وليس فقط القبول بقرارات الشرعية الدولية المجمدة منذ عقود ! والسؤال هنا، كيف يستطيع أي عربي معتدل أن يقنع الشباب العرب بعدالة المجتمع الدولي، في مقابل دعوات الكراهية التي يبثها المتطرفون؟
أيضاً، بالنسبة للملف الإيراني؛ من أعطى إيران وتركيا، معا، هذه القدرة على التدخل في الملفات الداخلية العربية لولا ضعف الصف العربي وتراخيه.. وأليست القضية الفلسطينية أيضاً، عنواناً يرفعه الإيرانيون والأتراك..
مع فارق رئيس، وهو أنني أؤمن بأن إيران وتركيا يمكنهما تصفير مشاكلهما مع العرب وعلى قاعدة من الأخوة الإسلامية ومبادئ حسن الجوار، في حال تم الكف عن التدخل بالشؤون الداخلية العربية، والتعامل مع الملفات الخلافية، بنفس الطريقة التي يتعامل بها الإيرانيون والأتراك مع الغرب.
وهذا ليس صعباً، ويجب أن نتذكر جميعاً نحن والأتراك والإيرانيون، أننا شركاء أصليون في هذه المنطقة بتاريخها ومستقبلها، وليس وارداً أن يلغي طرفٌ منا طرفاً آخرَ، وإنما أمامنا أحد خيارين، إما إدامة التوتر والصراع والنزيف، وإما التفاهم عبر الحوار والتوافق.
وهنا أود أن أدرج بعض الأفكار:
– أعتقد أن تهدئة التوترات وقبول الآخرين بتعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف أمر لا بد منه.
– ينبغي أن نبني تدابير ثقة بين بلدان المنطقة ونحتاج إلى تعزيز التدفقات الثنائية والمتعددة الأطراف للتجارة والسلع.
– يجب ألا تتدخل الدول في سياسات الدول الأخرى.
– يجب أن تشجع مواطنيها على التجارة/ الاستثمار مع بعضهم البعض، بغض النظر عن روابطهم السياسية أو انتماءاتهم، من أجل البدء في عملية التعايش المشترك.
– نحن بحاجة إلى محاربة الأيديولوجيات المتطرفة من خلال الروايات المضادة غير الاعتيادية والقوية، وهنا علينا أن نستثمر في التربية والتعليم.
الأحزاب العقائدية لم تطرح برامج قابلة للتطبيق
وكانت مدارس للحوار والتنظيم والعمل الجماعي
الدستور: اعرب الملك عن استيائه من الوضع الحزبي القائم في اكثر من مناسبة وخاصة في لقائه مع شباب الوطن أخيرًا. ودافعت الأحزاب في اكثر من موضع عن انفسها وعزت ضعفها الى التدخلات العميقة فيها تكوينا ومسارا، كيف توفق بين الحاجة الماسة الى حياة حزبية مؤثرة وفعالة؟.
– الرفاعي : القصة ليست مجرد «تدخلات»، أو «تشريعات» أو «ثقافة خوف»، وما إلى ذلك من عناوين غير كافية كلها لتفسير إحجام الناس عن العمل الحزبي.
وأعتقد أن مراجعة معمقة لواقع العمل الحزبي ولبرامجه وسياقاته، ستكون مفيدة في تنمية حياتنا السياسية، وصولاً إلى أحزاب فاعلة تتنافس عبر صناديق الاقتراع وتصل ببرامجها إلى قبة البرلمان، وتالياً إلى تداول تأليف الوزارات على أسس برامجية حزبية برلمانية، كما يطمح لذلك جلالة الملك، وكما عبر عنه جلالته في أوراقه النقاشية.
من حيث السياق، يجب أن ننتبه إلى التبدل الكبير الذي شهدته المنطقة كلها والعالم، على صعيد المنظومات الحزبية، وليس جديداً القول: إن معظم أحزابنا الرئيسة خلال فترة الخمسينيات، كانت تمثل امتدادات لأحزاب واتجاهات على المستوى العربي والدولي، وكانت الأحزاب عقائدية أكثر منها برامجية، وقد هيمنت هذه الحالة على الحياة الحزبية في الأردن لأكثر من أربعة عقود، ولا تزال تعبيراتها موجودة.
هذه الصورة لم تكن سلبية بالمطلق، ولكنها كانت جزءا من حالة يعيشها الإقليم كله وامتداداً له، وقد استفادت الحياة السياسية الأردنية من هذه الحالة.
وبالرغم من أن هذه الأحزاب العقائدية لم تطرح في أغلبها برامج قابلة للتطبيق، إلا أنها كانت ( الأحزاب)، بمثابة المدارس للحوار والتنظيم والعمل الجماعي، وقد خرجت عشرات وربما المئات من السياسيين الأردنيين الكبار الذين التحقوا بمؤسسات الدولة، وأثروها بالتنوع والخبرات، وأصبح لدينا إدارة عامة مسيسة وكفؤة، كما ازدهرت الحياة الثقافية والإعلامية والأدبية في بلدنا بحكم هذا التنوع وهذه الإسهامات.
في المقابل، لم تستطع هذه الأحزاب أن تطور نفسها، ولا أن تنتقل إلى مرحلة طرح البرامج والآليات وأن تعمل بأسلوب حكومات الظل.
وعندما حصلت الانهيارات على مستوى الأحزاب في البلاد الأخرى انكفأت الأحزاب العقائدية وتراجع دورُها، وتقسمت وشهدت انشقاقات وانقسامات داخلية عديدة، أثرت على حضورها كما على نظرة الناس لها.
الآن، أعتقد أن الفرصة ما زالت قائمة لظهور أحزاب قوية برامجية بعيداً عن الشخصنة والتخندق وأيضاً أن تقوم الأحزاب الموجودة بطرح برامج سياسية، اقتصادية، اجتماعية وطنية، ونحن اليوم، بحاجة ماسة لهذه المنظومات، لإعادة تنظيم الأردنيين على أساس من الأفكار، وبحيث يندمج الناس ويتفاعلوا في مشاريع وبرامج، ويكون التنافس ديمقراطياً، للوصول إلى مجلس النواب، عبر صناديق الاقتراع، وبحيث يكون الانتخاب للبرامج أولا، وليس للأشخاص أو العائلات.
نحن بحاجة إلى تغيير الثقافة لكي ينظر الناس إلى الصورة الأوسع والأشمل وليس مجرد انتخاب قريبهم. يجب عليهم اختيار المرشح الأفضل والأكثر تأهيلاً.
وبهذه الحالة، قد يتبلور لدينا ثلاثة اتجاهات، تكفي للتعبير عن الأردنيين، ومن خلال برامج تناقش السياسة والاقتصاد والتنمية والثقافة والتعليم ودور الشباب والمرأة.. وتكون البرامج مفصلة وواضحة ويمكن تطبيقها.
قانون الانتخاب يجب أن يكون توافقياً
وأن يلبّي التمثيل الديمغرافي والجغرافي والتنموي
الدستور: دولة الرئيس: أعطنا قانون انتخاب عصريا وديمقراطيا.. على الأقل ما هي ملامحه التي في قراءتك للواقع الاردني.
– الرفاعي : لا يوجد شخص واحد يملك أن يعطيك قانون انتخاب، وليس من حق أحد أن يصادر آراء الآخرين، وأنتم تعلمون أن قانون الانتخاب قانون حساس، ولا يجوز أن يأخذ وجهة نظر واحدة بالكامل ويقصي الأخرى بالكامل.
قانون الانتخاب يجب أن يكون توافقياً، وأن يلبّي التمثيل الديمغرافي والجغرافي والتنموي، وأن يجمع الناس ولا يفرقهم، ويعزّز التكتل والبرامج ويدفع باتجاه تنمية العمل الحزبي من خلال رفد مجلس النواب بنواب حزبيين فاعلين يطرحون البرامج، وبحيث تتشكل لدينا لاحقاً كتل برلمانية واضحة وبرامجية وثابتة، تعطي الثقة أو تحجبها انطلاقاً من رؤية سياسية برامجية، وتتمكن تالياً من تشكيل التحالفات وتأليف الوزارات البرلمانية التي يطالب بها جلالة الملك.
هذه الأهداف التي ينبغي أن يلبيها قانون الانتخاب، أما التفاصيل فهي بحاجة للحوار وصولاً إلى القانون الذي يحقق الحد الأعلى من الأهداف الوطنية. واليوم لدينا حصيلة حوارات طويلة قامت بها سابقاً هيئات ولجان مختصة، يمكن تلخيصها لضمان عامل الوقت، والوصول من خلالها إلى صيغة تلبي الأهداف وتتفق مع ما جاء في هذه الحوارات.
وأعتقد، هنا، أن اقتراح خفض عدد مجلس النواب إلى 80 نائباً، هو اقتراح وجيه ومهم، ويساعد على توسيع الدائرة الانتخابية وتحسين الخيارات، وايضا علينا النظر للبدء في عمل كوتا للأحزاب البرامجية وتوسيعها في المستقبل.
لكن، بالمحصلة، فإن الأهم أن يكون لدينا مجلس نواب قوي وفاعل وممثل للناس، وأنا أثق بأن مجلس نواب قوياً هو أفضل للحكومات من مجلس ضعيف، أو مشكوك في تمثيله للناس.
ومصلحة أي حكومة هي مع مجلس يناقشها ويواجهها ويتصدى لها، أكثر بكثير من مجلس مهادن يوافقها ولا يقوم بواجباته.
كما يجب العودة لمدونة سلوك الوزراء لضمان عدم استغلالهم لمناصبهم أثناء أو بعد مغادرتهم موقع المسؤولية. كما يجب أن يتم تطبيق مدونة السلوك الوظيفي على أعضاء مجلس الأمة، وعليهم -برأيي المتواضع- التفرغ الكامل للعمل الرقابي والتشريعي والمهام المناطة بهم دستوريا والتي تحتاج إلى جهد كبير وخبرات متراكمة وعمل متواصل أسوةً بالوزراء ليشعر المواطن بأن الجهتين منذورتان لخدمته، ولا يمكن لأي جهة أن تؤثر على الأخرى لتحقيق مصالح شخصية، فهناك انطباع بأن المواطن يصعب عليه أن يحصل على حقه إلا من خلال الواسطة والمحسوبية، وهذا بالتأكيد يؤثر على مصداقية السلطتين التنفيذية والتشريعية.
الدولة الأردنية وقد شارفت على الاحتفال
بمئويتها الأولى ما زالت دولة شابة حيوية
الدستور: يسجل لك تفاعلك وحركتك واتصالك، وبالطبع تتكون لديك حصيلة مهمة من هذه الاتصالات. هل ثمة إطار يمكّنك من وضع هذه الملاحظات برسم الاطلاع عليها؟.
– الرفاعي : معظم الملاحظات والخلاصات وحيثيات الحوارات موجودة ومتوافرة على صفحتي في وسائل التواصل الاجتماعي، وكنت واضحاً دائماً في تقييمي لهذه الحوارات واللقاءات ونتائجها.
وتأتي هذه الزيارات ليس فقط من منطلق أنني خدمت كرئيس وزراء، ولكن كعضو في مجلس الأعيان وجلالة الملك هو دائما الأقرب للأردنيين ويحث المسؤولين على أن يكونوا في الميدان وقريبين من الناس.
وقد فتحتْ اللقاءات والندوات أمامي أفقاً رحباً للتفكير والتواصل. كما أن لها الفضل بأنني تعرفت أكثر فأكثر إلى شباب وطنيين متحمسين على أعلى مستوى من الكفاءة والمثابرة وهؤلاء موجودون في كل مكان وبالذات في المحافظات.
لذلك، أنا أعتقد أن الدولة الأردنية وقد شارفت على الاحتفال بمئويتها الأولى ما زالت دولة شابة حيوية بهذه الطاقات الشابة المبشرة.
واليوم، ليس مطلوباً فقط تجديد النخبة الأردنية، وإنما أيضاً توسيع النخبة، وفتح المنابر وتوفير الإمكانات لهؤلاء الشباب للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم وأن يكونوا شركاء أساسيين في التخطيط للمستقبل.

حاوره : محمد داوودية ،د .حسين العموش، وعمر محارمة