مرايا – بعد ستة أشهر، وعلى وقع الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعانيها الأردن منذ سنوات وتزداد حدة مع مرور الوقت؛ قررت الحكومة ونظيرتها التركية الثلاثاء (18 سبتمبر) تجديد اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وذلك بعد قرار أردني مفاجئ في الثاني عشر من مارس الماضي بوقف العمل بهذه الاتفاقية.

فقد أكدت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، عقب الاجتماع الوزاري الرباعي التركي الأردني في العاصمة أنقرة، أن “الصراعات في العراق وسوريا أثرت على الاقتصاد الأردني سلباً، كما أفادت أن الأردن تعرضت لتدفق اللاجئين”.

وأشارت بكجان، في تصريحات لها نشرها التلفزيون التركي، إلى أنه تم تشكيل لجنة عمل لكي تستفيد الأردن من اتفاقية التجارة الحرة أكثر، ولكي تستفيد بعض القطاعات الصناعية الأردنية من هذا النظام، مشيرة إلى أن تركيا ستواصل في هذا الاتجاه استثماراتها في الأردن دعماً للأعمال الصناعية والتجارية في الأردن.

لماذا ألغى الأردن الاتفاقية؟

في حينه، وبحسب بيان صدر عن وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية؛ فإن القرار جاء في ضوء التحديات التي تواجه القطاع الصناعي الأردني؛ جراء إغلاق المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة، وانحسار الأسواق التصديرية التقليدية أمام الصادرات الوطنية الأردنية.

وأضاف البيان أن القرار يأتي من أجل دعم القطاع الصناعي والزراعي والإنتاجي الأردني، وزيادة قدرته التنافسية في السوق المحلية والأسواق الخارجية، وتجنّب مزيد من الآثار السلبية التي لحقت بالقطاع الصناعي في ضوء المنافسة غير المتكافئة التي يتعرّض لها من البضائع التركية التي تحظى بدعم من الحكومة بأنقرة.

القرار قوبل باعتراض من قبل غرفة التجارة الأردنية وجمعية رجال الأعمال الأردنيين وغيرهم من المسؤولين الاقتصاديين السابقين، لا سيما وأن الكثير من التجار وأصحاب المصانع والشركات في الأردن بنوا أعمالها على هذه الاتفاقية التي ألغيت بشكل مفاجئ.

وللإشارة هنا؛ فإن الأردن وتركيا وقعا على اتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة في الأول من كانون أول (ديسمبر) من العام 2009 في عمان لتدخل حيز النفاذ في الأول من آذار (مارس) من العام 2011، فيما استثني منها معظم السلع الزراعية والزراعية المصنعة، كما أخضعت بعض السلع لنظام الحصص (الكوتا).

وعلى الرغم من ذهاب بعض المراقبين كون السبب الرئيسي في قرار الأردن بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا هو “سياسي”؛ إلا أن الوضع الأردني الاقتصادي وفي ظل امتناع العديد من الدول تقديم الدعم الاقتصادي أو المادي للأردن جعلها تفكر في مختلف الخيارات المتاحة أمامها.

فقد كشف وزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين النقاب لأول مرة عن أن دولاً صديقة وحليفة وإقليمية (دون أن يسميها) تمتنع عن منح الأردن المساعدات ورفد خزينته دون موافقة صندوق النقد الدولي.

وكما يبدو، فإن حجم المنفعة من الاقتراب من تركيا أجدى وأكثر نفعاً من التقارب مع دول إقليمية قريبة، يُقال في الكواليس أنها تحاول أن تضغط على الأردن اقتصادياً لاتخاذ مواقف سياسية باتجاه معين.

التقارب .. مصلحة سياسية واقتصادية

على صعيد العلاقات التركية الأردنية؛ هناك من يرى أن التقارب بين الجانبين يصب في محصلة الطرفين سياسياً بدرجة أولى واقتصادياً بدرجة أقل ولكن مهمة؛ فالتقارب يعزز مكانتها في الإقليم، ويسهم في تطوير العلاقات التي شهدت تقارباً في الفترة الأخيرة بعد تطابق وجهتي نظر البلدين في كثير من المواقف، خاصة فيما يتعلّق بقضية القدس.

فقد ساندت تركيا الأردن في التصدّي لقرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة والاعتراف بها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.

وفيما يتعلّق بالتقارب الاقتصادي فإن ذلك يحقّق منفعة للطّرفين، إلا أن الأردن بحاجة لتلك العلاقات والانفتاح على السوق التركي بدرجة أكبر، فأنقرة اليوم أكبر اللاعبين التجاريين في الشرق الأوسط، والسوق الأردني يعتمد بصورة كبيرة على منتجاتها.

علاقات بأرقام

وصلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى ذروتها في السنوات الخمس الماضية، فوفقاً لأرقام رسمية؛ بلغ حجم الاستثمارات التركية في الأردن 2 مليار دولار أمريكي، تركّزت في قطاعات الخدمات وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الغذائية والبنية التحتية.

كما بلغت حجم الصادرات التركية إلى الأردن في العام الماضي 2017 نحو 800 مليون دولار أمريكي، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2016 نحو 742 مليون دولار، منها 664 صادرات تركية إلى الأردن، و78 مليون دولار صادرات أردنية إلى تركيا.

وأقد تسبب إغلاق الحدود نتيجة الأزمة السورية، بخفض حجم المبادلات التجارية بين الأردن وتركيا بشكل كبير، حيث اتفقت الدولتان في عهد رئيس الوزراء السابق هاني الملقي على البدء بالإجراءات الكفيلة بإنشاء خط بحري بين ميناء العقبة والموانئ التركية، لزيادة صادرات وواردات البلدين، متطلعين أن يصل حجم التبادل التجاري بينهما الى نحو 3 مليارات دولار.

وكانت اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن وتركيا قد أسهمت في زيادة حجم التبادل التجاري من 57 مليون دولار أمريكي في العام 2010 إلى 170 مليونا في العام 2014 بزيادة قدرها 199 %، بينما زادت المستوردات من تركيا من 560 مليونا إلى 850 مليونا خلال ذات الفترة، بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد الله النسور.

واقع الحال للأردنيين

تشير بيانات رسمية أن نسبة الفقر في الأردن قفزت إلى 20% خلال عام 2016، مقارنة بنحو 14.4% عام 2010، بينما توقع خبراء اقتصاد تخطي الفقر النسبة الأخيرة في ظل ارتفاع الضغوط المعيشية، لا سيما بعد سلسلة الإجراءات الحكومية التي تشمل زيادة الضرائب والأسعار.

وكانت دائرة الإحصاءات العامة الرسمية قد أعلنت نهاية العام الماضي أن البطالة قفزت إلى 18.5% خلال الربع الثالث من 2017، في وقت يتوقع فيه خبراء ارتفاع النسبة إلى 20 %.

رئيس الوزراء عمر الرزاز اختصر حالة الوضع الأردني بالقول “إن الأردن يتعرض لتحديات متتالية منذ عام 2008 و2009، ابتداء من الأزمة المالية العالمية، وتبعها الربيع العربي وتداعياته وإغلاق الحدود، وتأثيرها على الصناعة والتجارة والهجرة القسرية والركود الذي تعاني منه البلاد، لافتاً إلى أن كل هذه الأمور أثقلت كاهل المواطن وأتعبته”، حسب تعبيره.