مرايا – في الوقت الذي شكلت فيه (العيدية) عبئا لدى العديد من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، مع اعترافهم بانها تقدم للارحام والاطفال كهدايا، يتهافت الأطفال للحصول عليها، اذ تشكل عندهم فرحا غامرا وتحقق احلامهم الوردية.

العيدية التي اعتبرها خبراء ومختصون فكرة جميلة لتعزيز الروابط الاجتماعية، تسهم في تنمية الشخصية الاقتصادية للطفل، من حيث جمع رأس المال والإدخار وصولا إلى الاستثمار.

العيديات؛ حكمها في الاسلام صلة رحم وصدقة إذا أُعطيت لمحتاجين، وتندرج في الفقه الإسلامي من باب الهدايا والهبات والعطايا، وهي من الأعمال المستحبة لما تتركه من أثر طيب في النفس.

يعرب، طفل عمره تسع أعوام، يفرح بالعيد، وفرحته تكبر مع اقتراب تحقيق حلمه بإنشاء ملعب بالتعاون مع أبناء عمومته، من خلال استثمار العيديات، ذلك أن الأرض التي سيقام عليها الملعب ترابية وبحاجة إلى (نجيل صناعي)، بمبلغ لا يقل عن 1500 دينار.

وتحلم شروق سامر ذات الثماني سنوات، بشراء دراجتها الصغيرة التي تحلم بها منذ سنوات، فيما ستعمل جاهدة بعد جمع العيدية على شراء ما تصبو إليه، وإعطاء المتبقي منه لأسرتها، لعل الله يفك ضيق الحال.

أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور نوح الشياب، قال إن عيدية الأطفال لها تأثير ثقافي واجتماعي، يقوي ويعزز الروابط الاجتماعية بين الاسرة وافراد المجتمع.

وتزداد قيمة العيد لدى الأطفال بالعيدية وتحصيلها من خلال زيارة الأقارب، ما يعزز الروابط بين الأسر وأفراد المجتمع، بحسب الشياب،مبينا أهمية الجانب الاقتصادي في العيدية؛ إذ تمكن الأطفال من شراء احتياجاتهم.

وأشار إلى أن للعيدية قيمة كبيرة في حياة الطفل؛ إذ يتم تعليمه جمع رأس المال والإدخار، وبالتالي التعرف إلى قيمة المال أثناء جمعه من الاهل والاقارب، لاستثماره فيما بعد بشراء ما يلزم. وبين أهمية العيدية في إنعاش الحركة الاقتصادية، موضحا انه كلما زاد الاستهلاك زاد الطلب على السلع، بما يزيد بالتالي من الانتاجية، في إطار الإنسجام مع الكثير من الاقتصاديات العالمية التي تحاول إيجاد أهداف اقتصادية تعزز الاستهلاك من خلال الشراء في المناسبات والاعياد ومختلف الاحتفالات.

ودعا الآباء إلى توعية الأطفال قبل العيد في كيفية التخطيط الجيد لجمع المال واستثماره، وعدم الإسراف في الإنفاق بطريقة عشوائية بعيدا عن الهدف المخطط له.

ويرى انه من الأفضل تعليم الطفل وتربيته على المسؤولية المجتمعية بإيجاد هدف جماعي بين أبناء الجيران أو أبناء الأقارب، مثل شراء أرجوحة كبيرة يلعب بها الجميع، أو إنشاء ملعب يمضون فيه وقت فراغهم، بما يعزز التعاون والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجموعة في تحقيق هدف يعم خيره على الجميع.

وبين أن المشكلة التي تواجه شبابنا هو عدم الإلمام بالثقافة المالية وإدارة المال، وعلى الجهات المعنية والتربوية ووسائل الاعلام والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي التوعية بأهمية العيدية وكيفية توجيه الأطفال التوجيه السليم في استثمار المال، ذلك أن مرحلة الطفولة تبنى فيها شخصية الطفل المالية والاقتصادية والاجتماعية.

أستاذ الفقه والمصارف الإسلامية في الجامعة الأردنية الدكتور رائد نصري ابو مؤنس قال: للعيدية أصل شرعي، وردت من باب صلة الرحم، كما أنها تدخل من باب الصدقة لإعطائها للفقراء والمحتاجين.

وأضاف أنه لا مانع من اشراك النيتين، من باب صلة رحم، وإعطاء الفقراء منهم من باب نية الصدقة، ولا يصح اعتبارها صدقة إذا تم تقديمها لفئة الأغنياء.

وبين أن العيديات تندرج في الفقه الإسلامي من باب الهدايا والهبات والعطايا، وهي من الأعمال المستحبة لما تترك من أثر طيب في النفس، لقول الرسول الكريم:”تهادوا تحابوا”، مبينا أن المسلمين عبر التاريخ الاسلامي في عيدي الأضحى والفطر كانوا يقدمون هداياهم على شكل نقود، فاصطلح عليه التسمية بـ”العيديات”.

وبين أن الهدايا والعيديات تعطى للذكور والإناث دون التفرقة على أساس الجنس بل يراعى فيها سن المعطى اليه وحاجاته بغض النظر ما إذا كان ذكرا أم أنثى، وإذا تفاوت العمر فلا بأس من الزيادة بتزايد حاجات الناس، دون موازاة العيدية في إعطائها بالميراث.

وأشار إلى أنه من عناية الاسلام بالنساء أن العيديات تستمر وتزداد طوال العمر، لانها تندرج تحت بند صلة الرحم.

وأضاف انه من المعاني والحكم التي ينبغي على الأسر غرسها لدى أبنائها، هي كيفية التعامل الرشيد مع العيديات، فينبغي الاهتمام بتدريب الطفل على الإدخار بحيث لا يقوم بالإنفاق على أمور لا يحتاجها.

ودعا الى التكافل بين أفراد الأسرة بحيث يخصص ما يأتيها من عيديات لتلبية حاجات مشتركة لها، وفي حال كانت الأسرة أو العائلة من ذوي الدخل المادي الجيد، يمكن أن يكون المال أو هذه العيديات أساسا لاستثمار أو توفير مال ينفعهم في المستقبل.

وأوضح أن العيديات أو الهبات جاءت في سياق فكرة إعادة توزيع الثروة؛ فالإسلام يسعى لتوزيع الثروة بطريقة عادلة، واتبع في ذلك آليات مثل الزكاة الواجبة ومنها المستحب وهي العيديات.

وأضاف أن الذي يتم تقديمه من عيديات نقدية قياسا بعدد أفراد المجتمع، نجد أن مجموع المبالغ المنفقة للعيديات كبيرة ولا يستهان بها.

وأوضح انه إذا قام مليون رجل بإعطاء عيديات بقيمة عشرين دينارا، يكون المجموع في المحصلة عشرين مليون دينار، مبينا ان جزءا كبيرا من هذا المبلغ يذهب للفقراء، وذلك يدخل في إطار فلسفة الإسلام لتوزيع المال على الفقراء بشكل كريم على هيئة هدايا نقدية، وليس على شكل تفضلٍ أو منّه، إذ يتم مساعدة الفقراء والمرضى وكبار السن مع حفظ كرامتهم.

ونصح بعدم الاستدانة من أجل تقديم هذه الهبات، فالعيدية تعد من الأعمال التطوعية، وبالإمكان الاستعاضة عنها بهدايا عينية، بما هو ميسور في البيت من حلويات بيتية مثلا، وبما يحقق معنى العيدية دونما تكلفة، فالقاعدة في الإسلام تقول كما قال الله عز وجل في محكم آياته “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.

ودعا الشباب إلى الإبداع في أشكال العيديات وعدم الاقتصار على الشكل النقدي، مثل هدايا على شكل مجموعات كتب وقصص مثلا، وان يترك الخيال والإبداع في شكل العيدية التي تقدم للأحباء حسب متطلبات العمر بما يدخل الفرحة والبهجة في نفوسهم.

رئيس رابطة علماء الاردن الدكتور بسام العموش يرى أن العيدية تدخل في سياق باب العادات والتقاليد وتختلف من مجتمع إلى آخر، وهدفها إدخال الفرح والسرور في القلوب.

وبين ان العيدية تدخل في باب الصدقة، إذا كانت النية في ذلك إعطاء الفقير المال، ذلك قول الرسول الكريم”اللهم أعط منفقا خلفا”، والعيدية تأتي بحسب الاستطاعة، قال الله عز وجل”لينفق ذو سعة من سعته”، مشيرا إلى أنها تشكل لدى البعض عبئا، ما أدى إلى تقلص العلاقات.

واضاف ان البعض يضطر للاستدانة لغايات توزيع العيدية في العيد، مؤكدا ان ذلك يدخل من باب الإثم، ولا يأمره الدين بذلك، قال تعالى”لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، وقال تعالى “وما أنا من المتكلفين”.