مرايا – عمر كلاب

في ظل الانتكاسة الثقافية والقيمية بات من العبث الكتابة في الشؤون السياسية والقضايا الوطنية الجادة , فمنسوب الغضب والمزاودة يفوق كل احتمال , مزاج شعبي حاد وتغذية اعلامية وسياسية لهذا الغضب , فكل انابيب الكراهية والحقد والتأفف مفتوحة على مصراعيها , وثمة تصنيفات وتنويعات وصفات والقاب باتت ملقاة على الطرقات مثل اكوام الحاملة وجبال الخس الطري , وكل فئة تعزف لانصارها وتمنحها الالقاب والصفات دون وصفة او حتى روشيتة طبيب حديث التخرج .

ذوات من المحامين والمفكرين والنشطاء يتداولون اخبارا على جروبات يندى لها جبين العقل والمنطق , وللاسف المصدر اكاديمي يسبق اسمه لقب دكتور او الاستاذ المحامي او الوزير الاسبق , يتداولون اخبارا تكشف حجم العوار الفكري والسطحية الثقافية , فهل يعقل ان يتداول عاقل له ادنى معرفة بالاعراف الديبلوماسية خبر رفض قبول سفير في بلد ما , علما بأن الرفض لا يكون مكتوبا ولم يسبق ان صدر كتاب برفض سفير من اي دولة سواء كانت مارقة او ملتزمة بالاعراف , فالرفض يكون من خلال عدم الاجابة على كتاب الاستمزاج فقط .

صراخ ومزاودات تفيض عن حاجة عصابة في مقهى او في مسمط للفوارغ والكرشات , انفعالات كلها تمثيلية وغضبة على المواطن المقهور تزيد من قهره اصلا , لانها سرعان ما تنتهي على قارعة مكتب لتسوية صامتة او تمشية معاملة , فالنواب اغرقونا في وحل انعدام المحاسبة والمساءلة حتى تغولت كل الحكومات علينا , لأننا ببساطة بلا سند نيابي يحتسب ويراقب ويقوم بالتشريع اللازم لخير البلاد والعباد , مسؤولون سابقون كلهم انبياء ونُبلاء , لم يأتهم الباطل من اي جهة وكل قراراتهم كانت لصالح المواطن الغلبان .

من باع الفوسفات ومن مرر صفقة امنية ومن وقع الكازينو باتوا اليوم ابطالا ويقدمون للناس النصائح , بل ينثرون الدعم على الجماهير الغاضبة ويعززون انحسار الثقة حتى ننسى انهم اول الخديعة واول البيوعات للثروة الوطنية , كلهم ثعالب يلبسون اليوم ثياب الناسكين ويقطرون حكمة وطهارة , وكذلك من طالب بالتضييق على النقابات والاحزاب بات اليوم مصلحا سياسيا وينادي بالاصلاح والحداثة , حتى الضباط السابقون الذين قمعوا كل اشكال التعبير الشعبي في مواقعهم السابقة ومارسوا كل اشكال الاستثمار الوظيفي , يقدمون انفسهم في موسم التكاذب الوطني كإصلاحيين ومحاربين للفساد .

سأكتب اليوم عن اللوز الاخضر الذي تشرفنا بقدومه بأسعار فلكية حيث يبلغ سعر الاوقية الواحدة اربعة دنانير , ساكتب عن مدى حبي واشتياقي له ورغبتي الجامحة في ان ” أقرش ” بعض حبيباته الغضة , مغموسة بقليل من الملح , واصرخ مثل نجمات السينما بالاسود والابيض واحكام الدجاني , ” بحبه يا بابا ” , سأكتب عن حجم القصائد التي تحدثت عن زهر اللوز وعن مهرجانات ازهار الكرز , بل ربما اقوم بتلبية دعوة كريمة من الصديق محمد فضيلات بزيارة واشنطن كي اشارك في مهرجان الكرز حال توفر محسن كريم يقوم بتمويل تذكرة الطائرة ومصروف الجيب .

سأكتب عن ذوات اللون الاخضر , الدولار والكرز واللوز , فكل اخضر جميل , ولذلك كان الدولار اخضر ويتراقص مثل خنوص على موقد شواء , فلماذا نكتب عن موسم القرن من الصفقات , التنفيعات والتعيينات والتشليحات والتشبيحات , طالما ان الفضاء الالكتروني يفيض بكل انماط الكتابة الكاذبة والمزاودة الفارغة , لشخوص هم الفساد بعينه والضلال بعينه , لكنهم اليوم على اعلى مرتبة من النقد والصوت المرتفع .

سأكتب عن كل شيء الا عن وطن يئن اليوم تحت ضربات الجميع , من هتاف الملاعب الى خطب النواب وتصريحات المسؤولين .