مرايا – عمر كلاب

 ما قبل عصر السوبر ماركت والمولات , كانت القوة الاقتصادية السائدة في الحارة او الحي هي الدكانة او البقالة , ونجحت الدكانة في تكوين حضور طاغٍ لها , حتى انها بسطت سطوتها على العناوين البريدية , فكان العنوان دوما مقرونا بالبقالة او الدكانة , وكان صاحب الدكان هو اول البشارة واول الحزن ايضا , فالمكتوب او الرسالة تأتي اليه اولا , وترتفع قيمة الرسالة او المكتوب اذا كانت مسجلة , حيث يأتي وصل اخضر كإشعار عن وصول رسالة مسجلة وبالعادة فإن الاشعار الاخضر مؤشر على ورود حوالة او اشعار خطير يمكن الا تحتمله رسالة عادية , اما البرقية فتلك قصة اخرى وتعني ان امرا جسيما قد حدث .

السطوة المفروضة من صاحب الدكان كانت اكبر من سطوة صندوق النقد وكل البنوك , فثمة دفتر خطير يحتفظ به صاحب الدكان , يحتوي على مديونية الحارة بالكامل , فجميعنا نذهب للشراء وكلمة السر هي ” عالدفتر ” وذلك يعني ان السداد اما على الراتب او على موعد الحوالة الشهرية , وتكفي اشارة من صاحب الدكان كي يتم ادراج احد ابناء الحي على القائمة السوداء , ليس لعجز في تسديد الذمة المالية فقط , فربما يتم ادراجك على القائمة السوداء لمجرد خلل في سهرة عرس او مأتم عزاء , شعر صاحب الدكانة ان حجم الاستقبال والتهليل بمقدمه لم يكن بالحجم المطلوب , وربما تخسر امتياز ورود اسمك في الدفتر لنجاحك في الفوز عليه في طاولة الزهر او السيجة او لخسارة ابنه في لعبة او مباراة حارات .

سطوة الدكانة او البقالة انتهت , لكن سياسة عالدفتر ما زالت قائمة وتتمدد , ومؤخرا باتت سياسة حكومية بإمتياز , فكل اقتصادنا مربوط بالدفتر , وحتى مواجهتنا للاعباء الاقتصادية كانت على الدفتر , واول فكرة خطرت على بال الحكومة لمواجهة مصاريف شهر رمضان كانت اللجوء الى عقلية الدفتر , فطالبت البنوك بتأجيل الديون وكذلك شركات الكهرباء والمياه وبادرت هي بتوجيه نوافذها الاقراضية الى عدم فتح الدفتر في شهر رمضان – رغم ان شركات الكهرباء استعجلت فتح الدفتر قبل الشهر الكريم – وكأن المطلوب المرور الآمن من شهر رمضان وبعدها تفتح الدفتر على مصراعيه .

الدفتر وسياسته حاضرة في كل الخطوات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية , وحتى استقطاب المريدين والاتباع , فكل مريد او تابع له اوراق في الدفتر يستطيع ان يملأها بما يشاء ومع فترة سماح طويلة قد تمتد الى الحكومة القادمة , فالدفتر اليوم فيه صفحات اضافية تحت عنوان الدعم التكميلي , وهو دعم يصل الى 250 دينارا للاسرة , وبمعايير مرنة تؤهل صاحب الدكانة وهو متنوع في حالتنا الاردنية ” قد يكون رئيسا للحكومة او وزيرا او محافظا او متصرفا ” , طبعا مشروط ذلك بالتهليل للحكومة والامتناع عن النزول الى الشوارع والميادين في رمضان , شهر البشارة على الحكومة وشهر الاشارة ايضا .

دفتر الحكومة هو كل مشروعها الاقتصادي والاجتماعي , وليس لديها اي مشروع غيره , فالحديث الدائر في اروقة الحكومة هو ترقيع الدخول تحت اسم تمكين المواطن  وكل الحلول المطروحة خالية من الارقام التأشيرية , اي الارقام التي تكشف مستوى الحاجة او الفقر , وما تلاها كلها نسب مفخخة ومفتوحة من الاتجاهين , لأن عقلية الدفتر ترفض الكشف او المكاشفة , فأنت محكوم للدفتر وما يكتبه صاحب الدكان وويلك اذا اعترضت او غالطت في الحساب .