مرايا – كتب : عمر كلاب – لا تستطيع اي جماعة دينية التخلي عن المحنة في برنامجها التسويقي, ولا تتحمل تيارات الاسلام السياسي غياب ثقافة المحنة وتأطير هذه الثقافة من اجل اصطياد الاتباع والاصوات من البسطاء والفقراء على حد سواء, فهي الاقدر على تحويل المحنة الى منحة في صناديق الاقتراع, والملفت ان الانظمة الحاكمة تقوم بتقديم هذه المنح للجماعات الاسلامية على شكل محن, من اعتقالات ومنع نشاطات وحظر عام وأخيرًا الادراج تحت لائحة الارهاب, فهذه المنح التي جاءت كلها بعد محنة الربيع العربي وانكشاف وجه الاخوان امام الشوارع العربية كسلطة حاكمة لا تملك اي برامج مخالفة للبرامج السائدة التي انتقدتها الجماعات الاسلامية على اختلاف تلاوينها, وأكبر المُنتقدين كان جماعة الاخوان المسلمين التي امسكت على السلطة في ثلاث دول رئيسة “ مصر وتونس والمغرب “ وكادت تمسك في دولتين قبل انهيار البناء السياسي في تلك الدول “ اليمن وليبيا “ ودخلت في اوكازيون السلطة وكاد يرسو العطاء عليها في سوريا لولا تفاعلات كونية قلبت المعادلة في دمشق .
المحنة ضرورية في الثقافة السياسية الدينية منذ فجر تاريخ الحكم الاسلامي, فالتعاطف يزداد والنهايات المؤلمة تجذب الاتباع والمريدين والمتعاطفين, وعاشت القوى السياسية الاسلامية على هذه الثقافة طويلا, بل ان البناء الاستراتيجي للتيارات الدينية قائم على استجلاب المحنة او انتاجها, ولعلنا في الاردن انفردنا بتقديم المنح للاسلاميين طوال عقود طويلة ولم تمنحهم الدولة كثير محن كي يتطاولوا في الحضور السياسي, ربما بتفاهمات مسبقة وربما لطبيعة التركيبة الاردنية الممسكة على ثوابتها الوطنية وحدود المملكة بيقين وصلابة, مقابل استسهال الجماعات الدينية وتحديدا جماعة الاخوان المسلمين القفز على الجعرافيا وعنها, فالارض للخالق عز وجل وارض الله واسعة, ولعل هذا هو الاصطدام الجوهري الذي منع الاخوان من التمدد كثيرا في الساحة السياسية, فهي تصطدم بالعادة مع الوطنية الاردنية بتعبيراتها العشائرية والسياسية المنتمية باغلبها الى التيارات القومية بتفريعاتها المتعددة .
هذه الزاوية تحتاج الى تثقيف وتوّسع, كي نفهم اسباب اندياح وانسياب الاحزاب الدينية او ذات المرجعية الدينية من حضن الاخوان المسلمين في تسابق محموم بين رجالات الجماعة السابقين , الذين فهموا المعادلة الوطنية الاردنية جيدا وعرفوا ان مستقبل الجماعة السياسي وليس الدعوي قد أفل تماما بعد موجة الانكشاف الربيعي ودخولها كسلطة حاكمة في نماذج عربية قريبة, ونجحت الدولة العميقة في فرض هذا الايقاع على الجماعة التي لم تجد مفرّا من الدخول في المعادلة الاردنية باشتراطات الدولة العميقة التي سهلّت تراخيص الاحزاب ذات المرجعية الدينية وتحديدا الخارجة من رحم الجماعة الاخوانية عبر تقليص المحن الى الحدود الدنيا, فهي حاصرت الجماعة ماليا وسياسيا دون الوقوع في خانة الحظر الذي سعت اليه بعض قيادات الجماعة سعيا دؤوبا, لكن بعض عقلاء الجماعة التقطوا الرسالة وتغيرّوا او غيرّوا التكتيك السياسي, وايقنوا ان زمن المزاوجة بين الدعوي الذي يلتقط الاصوات والسياسي التابع قد انتهى او لم يعد مسموحا به, حسب السلوك الرسمي الذي سيطر على الذراع المالية واستثمر اللحظة الراهنة في التضييق السياسي دون اغلاق المنافذ والمهارب .
خطوة الدولة العميقة حيال الاخوان نجحت والانكار لا يُفيد احدا, لكن تطوير النجاح او تحقيق علامته الكاملة لصالح الدولة والنظام يتطلب تعميم التسهيلات على الجميع وتحديدا التيارات المدنية لكي تكتمل حلقات البرامج المتنوعة سياسيا واقتصاديا, ونشهد بروز احزاب فاعلة تعتمد البرامج الوطنية والاصلاحات الداخلية لتطوير ادوات المواجهة وتعظيمها, فنحن مقبلون على مواجهات ساخنة جدا على مستوى الاقليم ولا مناص من الاصلاح والسماح بفتح الابواب والنوافذ للحياة السياسية والاصلاح السياسي العميق لمواجهة هذه الظروف وهذا يتطلب احزابا وايمانا بدور هذه الاحزاب .
omarkallab@yahoo.com