مرايا – عُمر كٌلّاب – لا يمكن للفساد ان يعيش الا في بيئة ادارية ترعاه وتحمي القائمين عليه . وبمراجعة سريعة لكل ملفات الفساد التي احالتها هيئة النزاهة , نرى حجم الفساد الاداري الذي انتج خسائر بملايين الدنانير , والغريب ان كل الوزارات الاردنية والمؤسسات المستقلة تتحدث عن الانجازات فقط , فلم اسمع طوال ربع قرن من العمل الصحفي عرضا لوزارة او حكومة تحدث عن التقصير والخلل ,فكل المطروح في العروض المقدمة للملك وللمواطن تتحدث عن انجازات , ولا أحد يسأل لماذا المحصلة العامة للدولة في السالب , ولماذا الترهل والهدر البائس .

امس تحدث الرئيس في بيانه الوزاري لنيل الثقة , عن مكافحة الفساد وتحدث عن تكريس المساواة في الوصول الى الفرص , ولعلها ابرز جملة في البيان الوزاري , فكل قضايا الفساد ناجمة عن انعدام المساواة , فالفاسد احد اثنين , اما شخص حصل على الوظيفة او المنصب بطرق غير مشروعة وبكفاءة متدنية وبالتالي استثمر الفرصة بالثراء وسداد الدين لمن اوصله , او انه شخص صاحب كفاءة جرى الاعتداء على حقه وفرصته , فقرر الانتقام بالفساد او تعويض خسارته لفرصته بالفساد , وعلينا ان نرقب بعناية قضايا الفساد التي باتت تنشرها هيئة النزاهة والتي تتراوح بين استثمار الوظيفة لصغار الموظفين كما في احدى الجامعات ودائرة ضريبة الدخل او القضايا الكبرى التي يتورط فيها المسؤول الاول .

في ابرز تجليات الفساد الاداري والسياسي جرى ربط الفساد بالاصول والمنابت , مما افرز تعاطفا جهويا مع الفساد والفاسدين , من خلال الاحساس بالاستقواء على فاسد دون آخر يمتلك نفوذا اجتماعيا ورصيدا بشريا , فنجح الفاسدون في توظيف فسادهم لافساد الرابطة الوطنية المقدسة , ونجحوا في تبرير فسادهم وتحصين محاسبتهم , وجرى للاسف توريط مجاميع بشرية في التظاهر من اجلهم وفي نصب بيوت التضامن معهم , فتراجعت الحكومات عن المحاسبة ولا امنح صك البراءة للحكومات هنا , بل لعلها هي من سعى الى انتاج ظاهرة التعاطف والترويج لها , كي يفلت باقي الفساد وأزلامه .

بيان الحكومة لنيل الثقة مكتوب برصانة اكاديمية , ولكنه يبعث على القلق اكثر من بعثه على الارتياح , وكان على الرئيس اعتماد احد النهجين اما التقصير في الحديث وترك الامر للسلوك الحكومي وتحديدا في محاربة الفساد , او الخوض في برنامج تفصيلي واضح المعالم والدلالات , كخطابات فيدل كاسترو التي كانت تستهلك ساعات اربعة , فالمرحلة الفارقة حسب وصف البيان , تتطلب سلوكا فارقا ايضا , اما ترك الباب مواربا فهذا سلوك حكومي اعتدناه طويلا , ولم يعد صالحا , فقد كان على الرئيس الاجتهاد في اقناعنا ان هذا الفريق الوزاري الذي تم سحب الثقة الشعبية من غالبيته العظمى والمسؤول عن كل تراكمات الفساد – النصف زائد واحد – محكوم باداء الرئيس ونهجه وليس تركة ثقيلة من حكومة خرجت رأسها من الباب الخلفي للحياة السياسية الاردنية وبقي جسدها , وقطعا ليس الحديثون بأصلح من السابقين .

فصاحة المعنى في الخطاب الحكومي لن تصمد طويلا امام المبنى المطلوب لهيكل الحكومة والاداء المنوط بها , وهذا مرهون بقدرة الحكومة على الوفاء بالقائمة التي التزمت بانجازها , رغم ان المنسوب المطلوب من الشفافية ما زال منحدرا وبالقطع فإن معنى العقد الاجتماعي قد مات في البيان لانه بقي في دائرة التهويم كخطوة قبل الانسحاب منه ومن ظلاله الثقيلة , على امل ان يقوم المجلس النيابي بضبط ادائه في مراقبة المكتوب ومحاسبة الحكومة بمهنية واحتراف ودون قرقعة لا تُنتج طحينا .