مرايا – عُمر كُلّاب – مدهش حد الفجيعة , حجم التأثير الذي يتمتع به نشطاء المهجر على مواقع التواصل الاجتماعي , بعد ان فرغت دكاكينهم الاعلامية من البضاعة الرائجة في بلدان المهجر , ليتحولوا الى مدافع تقصف الداخل الوطني بابشع الاشاعات والاخبار الكاذبة , فأنا لست منحازا الى اخفاء الخبر حتى لو كان صادما ولست من المؤمنين بنظرية ” ليس وقته ” فالمهم صدقية الخبر حتى لو كان مؤذيا , ولعل حادثة نيكسون وفضيحة ووترغيت تثبت ان الحقيقة جديرة بالنشر وتمنح المجتمعات قوة بعد صدمة النشر .

وأيضا لا استأنس الى الرأي القائل بأن ضعف الاعلام الرسمي والاعلام الاردني عموما هو الذي منح الهاربين الى الخارج التاثير , بدليل ان كائنا صهيونيا بات يتمتع بشهرة وتأثير في مجتمعنا اكثر من اي وسيلة اعلام محلية او فضائية عربية ناشطة , وبات التشكيك يتردد على الالسنة حتى وصل الى مستوى الاسئلة الساذجة عن حقيقة عودة الملك وكأن اللقاء مع وزير الدولة الفرنسي مفبرك وكذلك زيارة القيادة العامة , وهذا تسطيح عجيب وغريب وخطير .

الاعلام الرسمي يعيش مرحلة حرجة ودقيقة , لا تحمل له الخير الكثير , ليس بسبب رداءة الكفاءة البشرية او ضعف الزملاء , بل لان حجم المسموح لغيرهم بات يفوق اضعاف المسموح لهم , وكأن المطلوب وأد الاعلام الرسمي لحسابات غير مفهومة حد اللحظة , ومع ذلك فثمة حضور لوسائل اعلام الكترونية وشاشات خاصة تقدم وجبات اعلامية دسمة على مستوى التحقيق الصحفي المصور والخبر المنشور والتحليل المنضبط بالمهنية والصدقية , وليس مطلوبا من الاعلام ان يكذب ويلفق حتى ترضى النفوس الجائعة لأكل البلد وليس لمناقشة الهموم والامال والمخاوف , فهذا متاح وموجود .

هناك شبكة تهريب اعلامية اخطر من شبكة تهريب المخدرات والدخان , تعبث بالعقول , ويمكن تتبع خيوطها بسهولة , فهي تبدأ اما من امريكا او من الكيان الصهيوني , سرعان ما تتلقفها محطة في اوروبا ثم تنطلق كالنار في الهشيم داخل المجتمع الاردني , الذي بات مسحورا بهذه الاخبار رغم كل ما يعتريها من عوار في الصدقية وما يعتري مطلقيها من إفك وتاريخ مشبوه , فالقصة لم تعد قصة غياب المعلومة فقط , لأن المعلومة التي بين الايادي مشكوك فيها وتقابلها معلومة خبيثة تدفع بشخصية قانونية مرموقة الى الاتصال مع كاتب المقال لتتأكد ان الملك فعلا عاد الى ارض الوطن وهذا نموذج عن اتصالات واسئلة كثيرة , من شخصيات وازنة ومثقفة .

خطورة الحالة انها تبعث الضعف في النفس الاردنية التي حافظت على توازنها الوطني في مصاعب كثيرة ربما اخطر واكثر دقة من هذه اللحظة , فبتنا نسمع جملة ” الله يستر هالبلد ” تتكرر مع كل جملة وعبارة وفي كل ساعة تقريبا , وكأن الاردن جمهورية موز وليس دولة مستقرة في اعماقها ولا اقول دولة عميقة , فحجم القذائف اللفظية وكمية الاخبار المتداولة والهابطة علينا من الفضاء الخارجي اكثف من قصف الطيران الامريكي على العراق واكثر دموية من قذائف الاحتلال الصهيوني على غزة .

لسنا بنما ولسنا جمهورية موز , فنحن دولة واكثر ولسنا شعبا بل أمة اردنية , لدينا شعب وعرش وجيش , يمكننا الانتصار ويمكننا صد اي صفقة قرن او عصر , وبالتأكيد سنصد هجوم الذباب الالكتروني القادم من الغرب والشرق , فهذا الشعب ولد ويولد كل يوم من رحم العاصفة وعاش في عينها طويلا وكثيرا.