مرايا – عٌمر كٌلّاب – تتنافس المحافظات اليوم في اغلاق ابواب الحوار مع الفرق الحكومية المكلفة بشرح قانون الضريبة الجديد , الذي لم يجد له اي أب سوى الحكومة او بعض الوزراء للدقة , فثمة وزراء يغمزون ويلمزون على القانون الجديد , بالمقابل المؤيد للقانون ما زال يستخدم ادوات ممجوجة مثل ان الموظف الانجليزي يدفع ضريبة عندما يصل راتبه السنوي الى 11 الف باوند لكنه ينسى في غمرة انفعاله ومقارنته ان يتحدث عن حجم الخدمات التي يتلقاها دافع الضريبة في الدول الاوروبية .

البداية يجب ان تكون من ضرورة وجود قانون ضريبة دخل يحمل مواصفات العدالة والتصاعدية ويراعي ظروف الخدمات المقدمة للمواطن الاردني , ومراعيا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن ايضا وحجم الوعاء الضريبي الذي يدفعه المواطن على شكل رسوم وخدمات وبدلات تطال كل مناحي الحياة , فكل معاملة او اجراء رسمي يتحمل المواطن كلفة اضافية زائدة غير مفهومة وغير عادلة مثل الرسم الاضافي ورسوم الاصدار وغيرها من رسوم وبدلات .

نحتاج فعلا الى قانون ضريبة عادل يأخذ من الغني ويعطي للفقير , ويساهم كل مواطن بمقدار دخله الفعلي مخصوما منه اعباء السكن والصحة والتعليم , وهذا اول عتبة لتسويق القانون , بعد موجة استسهال رسمي في التعامل مع ملف الضريبة حيث زاد التهرب الضريبي , ولجات الحكومات المتعاقبة الى ضريبة المبيعات والضرائب غير المباشرة والرسوم والبدلات الغريبة لتعويض هذا النقص , بل ان الفرق الحكومية الاقتصادية ومنذ اقرار ضريبة المبيعات نسيت وتغافلت عن قانون الضريبة ولاحقت دافع الضريبة بدل ملاحقة المتهرب الضريبي .

الخطاب الحكومي ما زلا قاصرا عن الوصول الى وصفة الخطاب المعقولة والمقبولة لاقناع الناس بضرورة الضريبة وقانونها , وتحديد الشرائح التي يطالها القانون وتحييد الشرائح التي لا يطالها بتوضيح المنافع القادمة لهذه الشرائح حال اقرار القانون وانفاذه بالطرق السليمة , وللاسف فإن حجم الغضب والصخب يأتي من الشرائح التي لا يطالها القانون , فبات الفقير يدافع عن الغني وعن المتهرب من الضريبة بدل ان يناقش المنافع وحجمها والدور المجتمعي للاغنياء والشركات الكبرى , وما يحدث في المحافظات هو تعبير واضح عن ذلك الاختلال .

اليوم يهاجم القانون قطاع واسع من المتهربين , مستخدمين الشريحة الحرجة والشريحة الغاضبة من نقص الخدمات والتهميش , فالاطباء مثلا يحملون راية الهجوم على الضريبة لان المواطن الفقير هو الذي سيتحمل الفرق حسب تبريرهم , وهذا غير صحيح , فالضريبة على الدخل وليست على الخدمة وهذا قصور واضح في الخطاب الرسمي , حيث يخشى المواطن ان يتم تحميله فرق الضريبة دون ان يعلم ان الضريبة يتم سرقتها من جيبته لمقدم الخدمة وليس للحكومة , لكن انحسار الثقة وتراجعها الى مستويات خطرة سمح لهذه الفكرة بالمرور والنجاح مسنودة بخطاب اعلامي وسياسي بائس من الوزراء .

ما يجري في المحافظات تعبير واضح عن الغضب الصادق والغضب الممول ايضا , فقد نجح المستثمرون في الاوجاع الشعبية الصادقة في استثمار هذه الاوجاع مجددا لمزيد من الثراء والتهرب الضريبي وسط غياب فاضح لانصار القانون وللنواب والاعيان وطبقة الحكم السابقة التي تنتقم لخروجها من المنصب رغم انها وحدها من يتحمل وزر هذه الخطايا , بعد ان لجات الى الضرائب غير المباشرة والرسوم الباهظة بدل ضريبة الدخل العادلة التي يتحمل الغني فيها اعباء الفقراء . ضريبة الدخل هي الضريبة الوحيدة العادلة والتي تفرق بين الاغنياء والفقراء وتؤخذ من الغني لصالح الفقير لكنها اليوم وحيدة وبدون اباء لعجز حكومي في الشرح ولسطوة الاثرياء على المزاج العام.