مرايا – عُمر كُلّاب –  لقد مَنّ الله علينا بثلاث في هذا البلد , حرية التعبير , حرية التفكير، والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما – مارك توين – , مقولة تختصر ما يسود اليوم في المجتمع الاردني , فثمة انفتاح في التعبير بدون سقوف رغم التخوفات من قانون الجرائم الالكترونية , وكأن الشارع يستبق القانون بتفريغ ما في جعبته قبيل اقرار القانون الذي لم يلقَ القراءة الكافية والمناقشة الموضوعية , فالحريات تحتاج الى قوانين صارمة تحدد الشعرة الدقيقة بين النقد والتشهير , وتمايز بين الشخصية العامة ومقاصد نقدها المباح .

كذلك نجد على الفضاء الالكتروني مآثر كثيرة لمفكرين طازجين هبطت عليهم موهبة التفكير دون سابق انذار , سابقين بذلك الوحي السماوي الذي كان يهبط على اشخاص مشهود لهم بالسلوك الايجابي منذ النشأة , فالرسول الكريم كان الصادق الامين عند اهل الجاهلية وقبل الرسالة , على عكس انبياء التواصل الاجتماعي الذين هبط عليهم وحي التفكير والتعبير دون سابق انذار , ومع اول غمزة عين وربما طرفة عين من انبياء العصر الجديد .

الرابط بين التفكير والتعبير هو اللغة , فاللغة اداة تعبير وتفكير , ويبدو ان لغتهم الهجينة قد فرضت عليهم نمط تفكير محكوما بتسارع اللحظة الكونية , ورأينا كيف ان انصار الانظمة السابقة والقائمة سرعان ما تحولوا الى نشطاء لتغيير الانظمة ومنهم من يتواضع ويطالب باصلاح الانظمة ولو راجعنا سيرة اي واحد منهم لرأينا العجب العجاب , وبات باب التوبة مفتوحا على الشوارع والميادين وكاميرات البث المباشر , دون اشتراط الطهارة والاستغفار وعدم العودة الى الخطيئة كشروط محددة للتوبة , فكلهم بانتظار غمزة عين من اي نظام حتى من النظام الذين ينتقدونه , ومسيرة كثير منهم في المنصب تكشف بالضرورة زيف نقده .

نمتلك في وطننا ضلعين من ثلاثة , حرية التعبير وحرية التفكير , لكننا بالضرورة نفتقد الضلع الثالث لاستكمال شروط الوعي والمعرفة , فنحن نمتلك المقدرة على عدم تطبيق اي منهما , فالتعبير الحرّ مشروط بالتفكير الحر , ويجب ان نرى هذين الضلعين في سلوك القائل , وبمجرد انتقاد اي واحد من نجوم العالم الافتراضي الذين يدعون الحرص على المصلحة العليا ستجد حقيقة تفكيرهم وتعبيرهم , من حيث استخدام لغة سوقية مبثوثة على موجة ردح من العيار الطويل والثقيل لكل من ينتقدهم , فكيف لمن يطالب بحرية التعبير والتفكير ان ينقلب الى سوقي لمجرد انتقاد وتعبير مشروع عن الرأي ؟

ظاهرة الثلاث المفقودات تحتاج الى قراءة واعية , ونحتاج اكثر الى اعلاء قيمة التفكير والتحليل وقيمة الارادة الحرّة , التي تخلق لحمة جمعية تحتضن المؤيد والمعارض وفق منهجية غير منهجية الفائدة الشخصية , فمن يجلس على مقاعد السلطة يضرب بسيفها ومن يخرج من المقعد ينقلب حتى على سيرته الذاتية , ومطلوب منّا ان نستوعب ان الضابط الذي سجننا ذات يوم على موقف او رأي بأنه منافح عن الحريات ومطلوب منا ان نصدق ان وزيرا فاسدا بات يطالب بالنزاهة والشفافية , ومطلوب منا ان نصدق ان عاشقا للوطن يقف على ابواب السفارات الغربية للحصول على فيزا او هجرة .

يجب عدم تصديق اي واحد منهم الا بالتزامه بشروط التوبة الثلاثة , الطهارة من دنس الاجنبي والسفارات الغربية والشرقية , ثم الاعتراف بالسابق واخيرا الاعتذار عنه , ولن نطالبه بالتعويض او جبر الضرر , وقبل ذلك ستبقى كل تلك الظواهر ندوبا قبيحة في جسد الوطن.