الوزراء تملصوا من المسؤولية والجميع ينتظرون القرار

ارتباك حكومي وغياب لمنهج ادارة الكوارث والتعامل معها

طريق البحر الميت بلا أب بعد انكار الاشغال والبلديات والنقل مسؤوليتها

الاعلام بحاجة الى تدريب على تغطية الكوارث والازمات

مرايا – عمر كُلّاب – لم تخالف الانباط وعيها ووجدانها وهي تخرج الى جمهورها أمس متشحة بالسواد على صدر صفحتها الاولى , فما حدث في يوم الخميس الدامي , كان فاجعة بكل المقاييس , وليس أدل على ذلك من تغريدة رأس الدولة الملك عبدالله الثاني الذي عبر عن احساس كل اردني بالحزن والغضب معا , لكن المملكة الشابة لا تقف عند حدود المراثي والبكاء , وتخرج من حزنها بسرعة ووقار , وتبني مداميك الحياة من جديد , عبر قراءة هادئة لتجربة مريرة نحتاج فيها الى النقد وليس الى التلاوم .

فقد اظهرت الفاجعة اننا امام فريق حكومي مهزوز بالكامل , ولا يعرف معنى ادارة الازمات , رغم اننا الدولة الاولى في الاقليم ربما التي لديها مركز وطني لادارة الازمات , وحتى لا يستعجل بعض اصحاب الرؤوس الحامية التأييد او الرفض , فإننا نراجع سلوك الفريق الحكومي وتصريحات اعضاء الفريق الذي فقد بوصلته تماما , فأول اشتراطات التفاعل مع الازمة وادارتها ان يكون هناك ناطق واحد يخرج على الاعلام والناس كل ساعة او كل ما اقتضى الامر , ولا يجوز هذا الانفلات الاعلامي في التصريحات ومن كل الوزراء .

كان الواجب ان تجلس الناطق باسم الحكومة في مركز الازمات وتقدم المعلومات تباعا اما عبر شريط عاجل للاخبار او تصريح كل ساعة و حسب تدفق المعلومات التي كانت متدفقة اولا بأول , دون الانشغال بإزاحة الذنب عن كل وزارة او جهة رسمية مدانة فعلا او تمت ادانتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الاعلام غير المهني والمنفلت , ولا اجازف ان قلت ان اعلامنا الوطني قد مارس دورا مهنيا رفيعا بكل تلاوينه ولكن الفاجعة كشفت اننا بحاجة الى تأهيل الكوادر اكثر وتحديدا في موضوع تغطية الكوارث الطبيعية والسياسية , فثمة اسئلة كانت بليدة وثمة تعليقات كانت مبرمجة لخدمة الجهات الرسمية والتغني بها في وقت عصيب لا يحتمل مثل هذه التعليقات والاسئلة .

الفريق الحكومي ظهر مرتبكا ويسعى كل وزير الى انقاذ رأسه من مقصلة التقصير التي تطال الجميع , من شرطي السير الذي ينجح في تسطير المخالفات لارضاء امانة عمان والبلديات في التحصيل وانتهاء بكل الوزارات الخدمية التي كشفت حبات المطر هشاشة اعمالها ولا اقول منجزاتها التي اتحفنا بها الوزراء والناطق الاعلامي لكل وزارة ومؤسسة , فكيف يمكن الفهم ان شارعا حيويا مثل طريق البحر الميت بلا اب حكومي بعد ان انكره وزير الاشغال وانكره وزير النقل ووزير البلديات , وحتى اللحظة لا توجد لدينا شوارع للقطاع الخاص , والمهزلة الاكبر انه ولساعات طويلة لم تقدم اية جهة حقيقة الفاجعة فجرى اللبس بين انهيار الجسر غير المستخدم وبين الفاجعة نفسها , وكيف ان وزيرا مسؤولا عن اكثر من نصف الشعب الاردني واقصد وزير التربية والتعليم والتعليم العالي لا يعلم عن حالة الطقس ويستخدم ورقة تدينه اكثر من تبرئة وزارته , فالرجل كان معنيا بتبرئة نفسه واظنه ورط الرئيس في معلومة مُلتبسة .

الحكومة استجابت بسرعة للحادثة وانتقلت الى الميدان وهذه نقطة لها , لكن ما تلا ذلك كان مرتبكا ومهزوزا , فسلوك الوزراء كان فرديا وكان اقرب الى ابراء الذمة الذاتية والشخصية وليس الى العمل الجماعي , وكل ذلك يؤشر الى غياب منهجية ادارة الازمات , فهذا الفكر ما زال غائبا وغائما , بالاضافة الى غياب مفهوم المسؤولية الاخلاقية كركن رئيس من اركان الدولة المدنية والدولة العصرية التي ينتمي اليها رئيس الوزراء , وتلك فرصة لتعزيز هذا السلوك بوصفه اللبنة الاساس لمحاكمة ومحاسبة المسؤولين اخلاقيا , فهم بشر خطاءون وليسوا ملائكة ومن حق الجمهور ان يرى محاسبة سياسية واخلاقية للمسؤول المقصر , فغياب المحاسبة هو الذي منح المسؤول الجرأة على الخطأ وانتقل ذلك الى المسؤول الادنى فالادنى وفقدنا قيمة الادارة التي تميزنا بها تاريخيا .

الفاجعة وقعت وكانت الطبيعة دون شك قاسية علينا وعلى صغارنا , لكن ذلك لا ينفي مسؤولية اجهزة كثيرة عنها , ولا ينفي اننا بحاجة الى اعادة الاعتبار لثقافة العمل الجماعي والعقل الجمعي والاهم ثقافة الاستدامة والديمومة لمشاريعنا وفوق كل ذلك اعادة الثقة والهيبة للمؤسسات الحكومية التي تستقوي عليها كثير من الجهات الخاصة ولعل نموذج المدرسة المعنية بالفاجعة مثال على ذلك بالاضافة الى كثير من المؤسسات لعل ابرزها المستشفيات الخاصة وشركات الاتصالات .

(الأنباط)