مرايا – عمر كُلّاب 
منذ اللحظة الاولى لتردد اسمه رئيسا للوزراء , اشتغلت فرق التفجير السياسي المجوقلة , في احباط  الدكتور عمر الرزاز , تارة برفع سقف التوقعات من حكومته الغضّة وتارات كثيرة بتحميله وزر سنوات من الضياع السياسي والتفكيك الاقتصادي , فالقادم من رحم مؤسسة الناس – الضمان الاجتماعي – نجح في كسر حلقة العزلة مع الناس واشتبك معهم في كل مواقعهم بحكم شمول مظلة الضمان الاجتماعي لكل الاردنيين العاملين تقريبا , فكان الاحتفاء بتكليفه جائرا على المستوى الشعبي ومقلقا لفرق التفجير السياسي وانصارها ممن قصدهم الرزاز في معرض تصنيفه المنهجي لتكوينات المجتمع الاردني .
فهذه الفئة راغبة وطامحة بأن يبقى الوضع كما هو عليه , خشية على مصالحها القائمة وخشية اكبر من فتح ملفات سنوات الضياع التي استفحلت فيها هذه الطبقة وحققت اعلى نسبة مكاسب لطبقة سياسية في تاريخ الاردن السياسي , على كل المستويات الاقتصادية والسياسية وسمحت بنفوذها المتنامي من تفكيك بنية الدولة واعلاء كل قِيم ما قبل الدولة , فالهويات الفرعية تأصلّت وتعمقت , ومنسوب الاستهلاك ارتفع الى مستويات قياسية وتم اضاعة كل الفرص التي جاد علينا بها الاقليم من تداعيات سواء على الجانب العراقي او الجانب الفلسطيني وطغيان النفط وعواصمه بوفرة مالية تفوق الخيال .
خرج مارد هذه الطبقة من قمقمه , ومنحها الربيع العربي فرصة كبيرة بتأهيل الذات مجددا بعد انكشافهم شعبيا وسياسيا , فحاولوا ترتيب الصفوف وانتجوا تحالفات مشبوهة ومريبة مع مجاميع القوى السياسية المؤثرة وتحديدا القوى الدينية فنموذج البرادعي في مصر , كان قابلا للاستنساخ في عمان – تحالف الديني مع المدني الغربي – فنشأت علاقة على شكل سِفاح بين التغريبيين المدنيين والاسلامويين , فالاول يمتلك العلاقة مع الغرب والثاني يمتلك الشارع , فالاول يملك فكرة الحزب ولكن لا يمتلك شعبية الجماعة , والثاني يمتلك الجماعة ولا يمتلك فكر الحزب .
وسط هذا الالتباس وقعت السلطة في الفخ الذي احكم صنعه تيار الليبرالية المتوحشة وتفكيك الدولة على مدار عقد كامل  , فأذعنت بغير رغبة الى مشاريع الاصلاح الشكلية على أمل ان يتوقف الربيع العربي عند عاصمة من العواصم وكانت دمشق هذه الفرصة , وبدل استلهام عناصر القوة من المجاميع الشعبية التي حمت الدولة من تيار التغريب وتيار الاسلام السياسي المنتشي بالسلطة , في اتون الربيع العربي , بتعميق الاصلاح وتجذيره لصالح قوى الشعب الحقيقية السند للنظام والدولة , جرى الالتفاف على المطالب العادلة وعادت قوى اليمين المحافظ لممارسة دورها وتأبيد وجودها .
وسط هذه الالتباسات , بل وفي اعتى درجات الالتباس – ابان احداث الدوار الرابع في ايار الماضي  – جاء عمر الرزاز رئيسا للحكومة , كان النظام بحاجة الى شخصية قريبة وموثوقة من الناس , لكنه اغفل استعادة قوى اليمين المحافظ لسطوتها ودورها وكذلك استعاد تيار التغريب واللبرلة المتوحشة مكانته النسبية بدعم من الاقليم وكذلك استرداد تيار الاسلام السياسي لبعض وجوده نتيجة عجز القوى الوطنية القومية واليسارية والوسطية عن توحيد خطابها او انتاج تحالف موضوعي بينها , فكانت الولادة لحكومة الرزاز صحيحة ولكن البيئة المحيطة للولادة لم تكن معقمة , حتى لا اقول ملوثة .
جاءت فكرة الرئيس من خارج الصندوق التقليدي , صحيح  , لكن تلك القوى نجحت في التحالف وانتاج فريق تقليدي جدا مع رئيس غير تقليدي , فخرج الرجل في الصورة نشازا مما سهّل من مهمة خصومه بالاضافة الى ان عقل الرجل لا يتعامل بردة الفعل بل بالفعل ذاته وهذا سلوك جديد يحتاج الى تثقيف ووقت لا يمتلك الرجل رفاه ذلك ولن تمنحه القوى التقليدية ايضا هذا الوقت واظن ان فريقه الاقرب لا يدرك هذه القضية الجوهرية حتى يسنده واقصد الفرق والتفريق بين مفهوم ردة الفعل ومفهوم الفعل ذاته وللحديث بقية .