مرايا – عمر كُلّاب

لا جديد يُقال ولا قديم يُعاد , في المشهد السياسي الاردني المفتوح على ازمات متتالية , بعد ان بات الانسداد افقيا وعاموديا , فالمكونات الاجتماعية لا تثق ببعضها البعض كما كشفت هتافات وتصريحات النشطاء حيال الهوية الوطنية , والثقة العامودية بين الحكومات والمكونات الاجتماعية في ادنى مراتبها وعلى حواف الانهيار الكامل , مما يعني انعدام فرصة اية حكومة قادمة بالحصول على ثقة الناس حتى حكومة الانقاذ الوطني التي يتردد شعارها بين الفينة والاخرى , دون ادنى تعريف لمفهوم ومضمون حكومة الانقاذ الوطني .

يبقى مفهوم النهضة الشامل الذي طرحته حكومة الدكتور عمر الرزاز هو المخرج والفرصة الحقيقية للخروج من هذا النفق المظلم فعلا , لكن المفهوم ما زال غامضا ومُلتبسا للجميع بمن فيهم افراد حكومة الرزاز , والادوات لاطلاق وتنفيذ هذا المفهوم غير موجودة الا في ذهن الرئيس نفسه – إن وجدت – واقول ان وجدت ليس انتقاصا من عقلية الرئيس بل لأن صاحب الفكرة او مخترعها ليس بالضرورة قادر على تنفيذها , فادوات التنفيذ غير ادوات التفكير , وهذا الخلل الذي وقعت فيه العقلية السياسية منذ عقود , بأنها استمعت الى افكار ايجابية كثيرة ولكنها لم تجد المنفذين القادرين على ذلك , لانها اوكلت التنفيذ لصاحب الفكرة .

كثيرون حملوا افكارا ايجابية لتفعيل عجلة الانتاج الوطني , والتخلي عن دولة الريع , لكن المنفذين للفكرة كانوا من جيل الديجتال الغائب عن طبيعة التركيبة الاردنية , فتارة تحدثوا عن ادارة الدولة بنفس عقلية ادارة الشركة وتارات ذهبوا الى خروج الدولة من سوق العمل وملكية ادوات الانتاج , فكان الثمن ان فقدت الدولة ادوات الانتاج بالخصخصة وزادت اعباء الانفاق , فلجأت الدولة الى الديون للاستمرار , وكان الحل في ذلك الوقت بسيط جدا بأن تتم خصخصة الادارة وليس خصخصة الملكية والسعي الى انتاج شراكات ادارية مع القطاع الخاص على غرار تجربة ليما الفرنسية في ادارة المياه .

اليوم تقف الحكومة عاجزة عن رفع مستوى معيشة المواطنين لاسباب متعددة , ولكنها قادرة على تخفيف اعباء المعيشة والنتيجة واحدة للمواطن , وعليها ان تبدأ بذلك سريعا , وأول الاعباء التي نستطيع تخفيفها اعباء فاتورة الطاقة , بالتراجع عن مشاريع الطاقة مرتفعة الكلفة مثل الطاقة المستخرجة من الصخر الزيتي واتفاقية الغاز المسروق , وهي تحتاج الى فريق قانوني محترف لمراجعة الاتفاقيات والتخلص من اعباء تلك الاتفاقيات المجحفة والدخول فورا في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح , مع بقاء الدعم من محطات الوقود في الظروف الجوية القاسية والتي لا تتعدة ستين يوما في العام الواحد .

الكلفة الثانية هي كلفة النقل التي تستنزف دخل المواطن الاردني , فنظام تتبع الحافلات بات في يد اي مسؤول ونحتاج الى نظام صارم لتنفيذه وحافلات حديثة وقليل دعم لبعض الخطوط غير المربحة للمشغلين , وكل ذلك متوفر اذا امتلكنا الارادة والقرار الحازم , ولا اظننا نملك رفاه الوقت لمجاملة اصحاب الامتيازات في قطاع النقل ومساومة حيتان النقل , فالنار وصلت ذقن الجميع وليس طرف ثوبنا فقط , ولا مجال للتردد او المساومة .

مشروع النهضة يجب ان يبدأ من الاسرع انتاجية , اي خطوات تكتيكية تهدف الوصول الى المشروع الاستراتيجي , بخطوات حاسمة وسريعة التنفيذ والتطبيق , فهذان القطاعان كفيلان بتخفيض الاحتقان والاسراع في الدخول الى باقي حزمة مشاريع النهضة التي يجب ان تبدا أمس وبالتكامل والتزامن مع مشروع سياسي حاسم لقانون انتخاب يكفل الحياة الحزبية الناضجة والتمثيل الاوسع للمقاعد الانتخابية للتخلص من نواب الحارات ومنح مزيد من الصلاحية والدور لمجالس المحافظات .