مرايا – عمر كُلّاب

اذا كانت المصطلحات الحديثة في معظمها هجينة على اللغة بحكم تزاوج المفردة الانجليزية مع العربية في حقبة شبه مظلمة من الحياة السياسية الاردنية ” ديجتال وانالوج ” , فإن مفردة الحراك اصيلة في اللغة وهي مظهر عام من مظاهر النَّشاط ، ضدّ السُّكون , ولأن العقل الجمعي يقول في الحركة بركة , يغدو مفهوم الحراك والحراكي مفهوما إيجابيا وليس سلبيا , اي ان معنى الحراك بالضرورة مخالفة السكون وحتى نصل الى المبنى كان لا بد من الولوج الى المعنى , لأننا في لحظة فارقة تتمازج فيها المصطلحات تمازجا عبثيا , وشبه رغائبي دون تدقيق او تمحيص .

في مبنى الحراك , نتحدث عن نُشطاء يقاومون سكون اللحظة السياسية ورتابتها ويسعون الى احداث الحركة اللازمة للخروج من سكون الواقع , على أمل تغييره ويستخدمون وسائل مشروعة وسلمية لاحداث التغيير المنشود , وربما يكشف هذا المصطلح الذي يطغى الآن على كل المصطلحات السياسية عن عجز الاحزاب السياسية على اختلاف تلاوينها السياسية , حتى ان الحزبي بات يستخدم مصطلح ” الحراكي ” للتعريف والتعبير عن نفسه , بعد ان خذلته الاحزاب وتراجعت في التراتبية السياسية الى ادنى المراتب , بحكم ظروفها الذاتية اولا وثانيا وبحكم الظروف الموضوعية ثالثا .

ما ينقص الحراك وما ينتقص من جهده , هو ان حركته واسعة وغير مؤطرة , وقابل لأن يندمج فيه اي راغب , فتكفي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركة في مسيرة او اثنتين لتأخذ اللقب , وهو انفعالي بطبعه وتركيبته , بحكم انه لا يستند الى برنامج والى نظرية , ودون البرنامج والنظرية سيبقى حراكا , يحمل امكانية لاحداث التغيير , لكنه غير قادر وغير متمكن من قطف ثمار هذا التغيير , وسينجح الحراكيون الاكثر امتلاكا لادوات البرنامج والنظرية من القفز الى المواقع على ظهور الحراكيين البررة , الذين غامروا بكل شيء من اجل احداث التغيير , وقد رأينا في تجارب اردنية قريبة العهد , كيف نجح المشاركون في الحراك ممن يمتلكون خلفية حزبية من الوصول ومن ثم الانقلاب على الحراك نفسه .

براءة المصطلح لا تكفي وحدها , فكل المصطلحات البريئة اذا لم تجد الحماية الجمعية اللازمة ستنقلب الى موجات ممجوجة ومستهلكة وقابلة للطي والنسيان , ولربما تصبح مدانة لاحقا بل وتحمل وزر الاخطاء الكثيرة والمتراكمة , بحكم دخول الصادق والمنفلش والعبثي والمارق والباحث عن غسل تاريخه وحاضره في صفوفه , ولعل الانفلاشات التي يجري نشرها الآن على مواقع التواصل الاجتماعي لمشاركين ولا اقول حراكيين دليل على التخوف الذي اضعه بين يدي الحراكيين اليوم , لعلهم يلتفتون الى المخاطر المحدقة والمتربصة بهم , واقول ان ما شاهدناه جميعا من حوار على شاشة المملكة قبل ايام لمشاركين في الحراك يكشف الحاجة الى ضرورة ضبط المصطلح ومراجعته .

مصطلح الحراكي يجد اليوم دلالة ايجابية في الوجدان الشعبي , مثل مصطلح الفدائي في بواكير الثورة الفلسطينية , والمصطلحان يحملان البراءة في ارقى معانيها , لكن النهايات ليست بالضرورة محكومة للبراءة وبها , فقد نجح مناضلو الفنادق في البطش بمناضلي البنادق في الثورة الفلسطينية , واخشى ان ينجح حراكيو الفنادق بالبطش بحراكيي الساحات والمناطق المهمشة والمظلومة , فكل ما يبرز على السطح الآن هم حراكيو الفنادق والكاميرات والدراجات , ولا تنسوا ايها الحراكيون ان الطريق الى جهنم مفروشة بالنوايا الحَسنة , وللحديث بقيات وليس بقية.