بعد جمعتين ونصف حوار
هيبة الدولة هي سند الحراكيين ورفعتها هي مقصد حراكهم
جماعة ” بدناش ” ينشطون لاختطاف الحراك من مجموعة ” معناش “

 

مرايا – عمر كلاب – ” في كل حرب شيء من سابقتها ” , عبارة تختصر المشهد بمجمله , فالحراك الدائر الآن بالقرب من بيت الرئاسة على الدوار الرابع , يشي بأن السابق ما زال حاضرا منه الكثير, وربما يكون السابق قد تمت اعادته على شكل جديد , وهنا مبعث الخطر كما يردد النشطاء على مواصل التواقع الاجتماعي وكما تتمترس قيادات الاحزاب السياسية , فكل الخطوات التي تم قطعها على مسارات الاصلاح والوعودات الرسمية جرى الانقلاب عنها وعليها , وعادت السلطة الى تموضعها ما قبل الربيع العربي , الذي جرت شيطنته واصبح خرابا عربيا , او مثل الغولة وصاحب الساق المسلوخة , ابرز ظاهرتين لنشر الرعب والخوف بين الاطفال , والحراك الشعبي في المنظومة العربية والاردن ليس خارج هذا السياق ما زال طفلا يحبو ولم تكتب للحراكات الشعبية فرصة اثبات نفسها او خلق حالة من الرأي العام القادر على التغيير اسوة بالرأي العام في الدول المتقدمة .
ما جرى خلال الجمعتين الماضيتين يدعو للقلق ويدعو للراحة في نفس الوقت , فالراحة قادمة من بداية انفتاح عقل السلطة على ضرورة حوار الغاضبين والعاتبين – رغم التحفظ الشديد على شكل ومضمون الحوار والحضور – وتلك خطوة رغم التحفظ السابق , تؤشر على امر حميد يتخلق في العقل الرسمي , لذلك اسميناه نصف حوار , والمقلق ان النسخة الثانية او الجيل الثاني , من الفكرة نفسها , تكون اكثر تطرفا وقسوة من النسخة التي سبقتها , وللتوضيح نقول ان تنظيم القاعدة كنسخة اولى من الحركات الدينية المسلحة كانت نعيما قياسا بالنسخة الثانية المدعوة داعش , وكلاهما من نفس الجذر والبيئة , ولذلك يتحسس عقل السلطة من الحراكات الجديدة التي حملت ملمحا خشنا في الهتاف والسلوك الصدامي من القلة القليلة , مما اسفر عن سلوك خشن من السلطة , وكلا السلوكين قابل للتطور بالاتجاه السلبي اذا بقي الرشاد غائبا وبقيت دوائر صنع الاعتقاد تستخدم نفس الادوات القديمة من تهشيم لفكرة الدولة وهيبتها وسط عدم قراءة حصيفة من القوى الحركية والحزبية .
يتمترس عقل السلطة خلف مهمة الحفاظ على الدولة وهيبتها , بعد ان ارتفع سقف الهتاف الى مستويات غير مقبولة , متطاولة على الدولة وهيبتها ورمزيتها ,بالمقابل يتمترس الحراكيون خلف الثبات الدائم في النهج التفريطي بحقوق البلاد والعباد , فلا تحسين على مستوى المعيشة ولا تحسن في الخدمات ولا اصلاحات سياسية شافية لغليل الكثيرين من المؤمنين بالدولة وهيبتها , فاصبح الحراك جاذبا لعناصر لم يؤلف عنها المشاركة وبات مقبولا لدى اطياف واسعة من جماعة حزب الكَنبة او الفَروة , ممن تآكلت دخولهم وصعبت عليهم الحياة بما رحبت , ولو نجح الحراك في ترشيد شعاره وتأطير نفسه على شكل حزب سياسي او تجمع حراكي اجتماعي وسياسي لحاز الكثير من المشاركة والتأييد , لكن ملمحه حتى اللحظة فردي ومناطقي او عشائري , مما يجعل التحفظات عليه بالمعنى اعلى كثيرا من التحفظات عليه في المبنى , والاغلبية الاردنية سئمت انتاج وزراء من طبقة النشطاء , الذين تستوعبهم السلطة قبل ان تنقلهم الى مقلب الحراك مجددا مع كثير من الخارجين من مواقعهم الرسمية والبرلمانية , رغم ان ظاهرة احتواء المعارضة في جسم السلطة ليست جديدة على التجربة الاردنية لكن مضمونها مختلف هذه المرة .
الحراك بنسخته الثانية اغرى كثيرين من الطامحين والطامعين بتجاوز العتبة والدخول من باب الحراك الواسع الى صالون السلطة الوثير , طالما ان الحراك لم ينجح حتى اللحظة في تأطير نفسه واعتماد برنامج عمل سياسي ومنهج لتنفيذ هذا البرنامج , فسمح لاصحاب الاصوات العالية من جماعة ” بدناش ” باختلاس الحراك والشعار من جماعة ” معناش ” وهذه قصة يجب الالتفات اليها من نشطاء الحراك الذين يعبرون عن المطالب والاوجاع الحقيقية للشارع الاردني , من ابناء المحافظات ومن ابناء بقايا الطبقة الوسطى الذين يسعون الى اصلاح الهيكل الرسمي وانضاج حالة الاعتماد على الذات لرفضهم كل مشاريع التسوية السياسية على القضية الفلسطينية على حساب الاردن , وهم هنا يتقاطعون مع الدولة تماما وبالتالي هم سندها في الوقوف امام هذه المشاريع الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية وانهاء الهوية الوطنية الاردنية .
الحراك الشعبي هو سند الدولة ومصدر قوتها وملهمها للمشاريع الوطنية الكبرى , لكن ثمة تفاصيل صغيرة في الحراك تحتاج الى اعادة مراجعة والى ترتيب اوراق , فلا يعقل ان يتبنى الحراك وجوها مشموسة وتسعى لغسل نفسها على حسابه ولا يعقل الا ينتبه الحراكيون الى ظاهرة الهتاف الصعب بلسان الاطفال القُصّر , او عدم الالتفات الى شعارات تستهدف بنية الدولة وليس الحكومة تمر عبر رسائل سريعة قد لا تكون واعية لما تقول لكن ثمة من يلتقطها ويعيد انتاجها كما فعل المدعو ايلي كوهين مع دعوة الفتاة الى السماح لها بالهجرة الى الكيان الصهيوني , فالحراك حالة نشاط ضد السكون الذي تتخلق فيه الطفيليات والفساد والقرارات الآسنة , وعليه ان يتصدى لاي محاولة لجعل الدولة تنزف كي تكسب السلطة او بعض المتكسبين منها .//الانباط