مرايا – بهدوء : عمر كلاب – نحتاج الى محاولات جادة لتأصيل المفاهيم السياسية والاجتماعية بعد ان كشفت المرحلة السابقة اننا نعاني من اختلال نظري ومعرفي في كثير من المفاهيم ولعل ابرز مفهوم نعاني من ضبابية تعريفه هو مفهوم الدولة وهذه محاولة جادة لتأصيل هذه التعاريف عبر اكثر من مقال للوصول الى انضج تعريف للدولة وما هي الدولة ؟
ان الدولة هي ما تفعله، وما الذي ينبغي على الدولة أن تفعله ؟ للدولة خمس وظائف أساسية: الأمنية، التمثيلية، التنموية، التثقيفية، والحقوقية. وفي حدود الدستور والقانون تقوم الدولة بوظائفها الأمنية (من خلال الجيش والشرطة وأجهزة الأمن)، التمثيلية (من خلال البرلمان والأحزاب)، التنموية (من خلال الوزارات والهيئات الاقتصادية)، التثقيفية (من خلال الوزارات والهيئات القائمة على الإعلام والتعليم والثقافة والأوقاف)، والحقوقية (وعلى رأسها السلطة القضائية والمحامون ومعهم المنظمات الحقوقية .)
ونكاد نجزم أننا لو استطلعنا آراء أغلب العاملين في كل مجال من هذه المجالات الوظيفية للدولة بشأن مدى أداء الدولة لوظيفتها كما ينبغي أن يكون لاعطوها ما دون درجة النجاح ، ومن هنا تأتي العلة أو العلل التي تجعلنا في وضع من السهل أن ننزلق منه إلى وضع مربك .
ووضع الارباك قد يقودنا لا سمح الله الى وضع أشبه بما يحدث في الكثير من الدول المحيطة بنا في سوريا والعراق وهذا ما جعل رئيس وزراء العراق يقول ذات لقاء : لقد تحول الربيع العربي إلى كارثة على الأمة بكافة دولها .
ولهذا أيضاً يقف الناس من الدولة المعلولة مواقف يمكن التمييز بينها , وأرجو أن تفقه المصطلحات المستخدمة في سياقها التاريخي والفلسفي وألا تأخذها إلى دائرة الإسفاف اللفظي والتناحر اللغوي الذي نعيشه هذه الأيام .
هناك الموقف الرجعي الذي يرى استحالة الإصلاح بل عدم الجدوى منه وستظل هكذا دولة المحاسيب والشلل والقفز على القانون , وهذا موقف يتبناه كثيرون ممن يرون الآن أن الربيع العربي كان ثورة خطأ من حيث المبنى والمعنى، الطريقة والهدف , وأجد هذا الموقف أصلا عند آحاد الناس ومن المستفيدين من الوضع القائم وإن كان بدأ يتصاعد عند بعض من أيدوا الربيع العربي ابتداء .
هذا الموقف يدافع عن الدولة، بل والأشخاص القابضين عليها، بكل عللها ومشاكلها وسوء تخطيطها وتقديرها , ويرون أن هناك مؤامرة كاملة الأركان عليها وأنها تفعل ما هو صواب لدفع هذه المؤامرة وما يحركهم بالأساس هو الخوف من ” اللا دولة ” .

هناك الموقف المحافظ وهي العقلية التقليدية التي اعتادت تاريخيا، ككل المجتمعات المحافظة، أن تفضل ما تعرفه على الجديد ، نفضل المتدين على غير المتدين ، نفضل كبير السن على صغير السن، الولد على البنت، الموروث على الوافد، التجربة على العلم .

الموقف الثالث هو الذي تبنته العقلية الثورية التي لها من الجموح والجرأة ما جعلها، اقتباسا من توفيق الحكيم، تعيش حالة عودة الروح في الربيع العربي، ثم تعيش حالة من عودة الوعي بعد ظهور مخرجات الانتخابات ومخرجات الربيع العربي خاصة في ظل الانظمة الدينية .

الثوار فعلوا كل ما استطاعوا بقصد كي ينجح الربيع العربي، ثم فعلوا كل ما استطاعوا دون قصد، كي يفشل الربيع العربي، وغلبت على أكثرهم نرجسيتهم وتشككهم وسوء تقديرهم وتفرقهم وغياب المايسترو أو القيادة التي تخطط لهم وتوجههم .
ملاحظة : نص قديم ربما يلامس اليوم حواف الحقيقة الغائبة عن كثير من السائرين على درب محاولة الاصلاح .