مرايا – بهدوء: عمر كلاب – ليس من باب المصادفة ان يصدر قرار ترخيص حزب التحالف المدني في الوقت الذي يسعى فيه رجالات الحرس القديم الى توحيد صفوفهم وانتاج طريقة سياسية جديدة على غرار الطُرق الصوفية السائدة في الحالة السياسية الاردنية , فثمة طريقة سياسية اسلامية وثانية وسطية بين مزدوجين وثالثة مدنية , وللاسف تخلو كل هذه الطُرق من المنهج السياسي والبرنامج المتوافق عليه , فالخلافات داخل كل تيار اقسى من الخلافات مع التيارات الاخرى , فكيف يمكن الفهم بأن تحالفا بين شخصية محافظة مثل الدكتور عبد السلام المجالي وشخصية ديمقراطية مثل طاهر المصري , واذا اضفت اليهم شيخ طريقة المحافظين عبد الرؤوف الروابدة فإن التحالف يبدو سرياليا .
على صعيد التحالف المدني فثمة شيوخ كثر يتنازعون زعامة هذا التيار , فالنائب خالد رمضان الذي ابتدع فكرة ” معا ” كمنهج من مناهج الدولة المدنية , يأبى الدخول في اي تحالف من تحالفاتها , بل يصدم المتابعين بانضمامه الى لجنة الصداقة الاردنية السورية وهو احد ابرز المهاجمين للنظام السوري وكان المعارض السوري المرحوم ” كيلة ” ينام في بيته , وكذلك تتلمس رأسك وانت تشاهد مسلكية طارق خوري الحليف الابرز للنائب يحيى السعود , رغم التباين الواسع في المواقف والاراء والمنهجية السياسية , ناهيك عن غياب تيار المبادرة الذي سعى بإجتهاد لفكرة الدولة العصرية كتعبير سياسي انضج من الدولة المدنية بفعل عوامل خارجية كسرّت اطرافه , وكذلك غياب تيار اردن اقوى , فكل هذه التيارات فشلت في توحيد مساراتها بعد ان اختلف شيوخ الطريقة على مبايعة شيخ على غرار بيعة البابا في الفاتيكان فحجبوا الدخان الابيض .
التيار الاسلامي بدوره عانى وما زال من تفكك الجسم الواحد الى اجزاء متناثرة ومتباينة , فالشيخ سالم الفلاحات راح نحوحزب جديد , والدكتور ارحيل الغرايبة ركض نحو زمزم وبها , وقبلهم كان شرف القضاة يحصل على ترخيص للجماعة وقبلهم كلهم كانت فكرة الوسط الاسلامي التي رضعت من اثداء الدولة حتى الثمالة دون ان تحصل على شرعية الحزب الديني , فبقي حزب جبهة العمل الاسلامي والجماعة التاريخية اقوى تشكيلات الاحزاب الدينية , لكنهم اليوم يعانون من حالة داخلية مرتبكة بسبب بقاء الجماعة التاريخية خارج اطار التأطير القانوني .
ما يجري اليوم ليس حالة ولادة جديدة , شهدتها مجتمعات كثيرة قبلنا في مرحلة الانتقال من نمط الى نمط اجتماعي للتأسيس للانتقال من طَور الى طَور , فالمناشفة في الاتحاد السوفييتي خسروا المعركة للبلاشفة , وصراع اليسار الاوروبي مع الحزب الشيوعي السوفييتي انتج يسارات اوروبية متعددة وانتج ماكس فيبر وغرامشي , لكن هذه الولادات لم تنتج لدينا اسما جديدا او برنامجا حزبيا يمكن التأسيس عليه للوصول الى الناس وعكسه قوة داخل البرلمان والاطر الحكومية , وان كان الامل باقيا دون شك , لكن وفق هذه المنهجية فالامل يتراجع كثيرا , لان الحوار السياسي ما زال مفقودا وادوات الشد العكسي ما زالت في اعلى قوتها بدليل قدرتها على تنسيل الفكرة وتحويلها الى مجموعات والى اجنحة داخل الفكرة ذاتها .
ما يجري اليوم اقرب الى حالة تطييب الخواطر , التي تنتج ” مطيباتي ” وليس قائدا سياسيا , لأن المجاملة السياسية تغلب على الموقف السياسي الواجب , وكذلك حجم الضغوطات الخارجية التي يخضع لها اي تكوين سياسي , لذلك لا نستغرب اذا رأينا غدا حفل تخريج لطلبة حفظ القرآن تحت رعاية امين عام الحزب الشيوعي الاردني وتخريج دورة شبيبة برعاية امين عام جبهة العمل الاسلامي , فكما قال الصديق مصطفى الحمارنة في ابهى تجلياته ” الاردن لزيز ” .