مرايا – عمر كلاب

قيم الدولة وعقل السلطة

لا يوجد انكار لدى كل التكوينات السياسية والاجتماعية الاردنية لعقل الدولة وقيمها , وحتى في الخارج ثمة يقين عند كثير من المراقبين بأن عقل الدولة الاردنية ناضج بما يفيض عن حاجة دولة بحجم الاردن الجغرافي وتعدادها السكاني , بل ان هناك مستقرا لدى كثيرين في الاردن وخارجه بأننا دولة رسالة واننا مؤهلون بحكم القيادة وإرثها لنكون دولة جامعة او مركزا اشعاعيا لوحدة قادمة , بوصفنا حملة رسالة الثورة العربية بقيادة هاشمية , نجحت في توحيد الشعار العربي من خلال رصاصة اولى من قلعة اجياد .

هذا المستقر عن الدولة الاردنية وقِيمَها , لا يجد سبيله في وعي السلطة ولا يجد طريقه في سلوكها , بعد ان تراجعت السلطة الى مراتب مقلقلة , من حيث فهمها لرسالة الدولة وحفاظها على قيمها الثابتة , سواء بحجم رجال السلطة الاجتماعي او بوعيهم السياسي , فثمة رخاوة في طبقة الحكم وثمة تنافر افضى الى بداية ملمح تجنّح داخل اروقة السلطة , قلل من وزن السلطة وأثرها وتأثيرها مما انعكس على الدولة وهيبتها في الوعي الجمعي الاردني .

فالمعارضة الاردنية تأخذ على السلطة تراخيها في الحفاظ على قيم الدولة وهيبتها , وبأن طبقة الحكم ذات الطبيعة التكنوقراطية والمصالح الذاتية قد عكست خفتّها السياسية على الدولة الثقيلة والعميقة , فالمعارضة لا تختلف على هيبة الدولة وعمقها , بل تخالف طبيعة السلطة وتركيبتها التي تراجعت بأقل من حجم الدولة ووزنها وهيبتها , فالصدام اليوم ليس بين الدولة كمفهوم عميق ومستقر في الوعي الاردني بقدر ما هو اختلاف مع طبيعة السلطة وتخليها عن تطبيق النظام العام حد التردي والتراجع على كل المستويات .

ما يجري اليوم من مظاهر انفلات وترد وتنازع وتنابز داخل المجتمع الاردني , يشي بطبيعة هذا الصراع المحتدم , بين قيم الدولة والسلطة داخل فضاء النظام العام , فالمواطن الاردني المنتمي الى المعارضة او الى كتلة التأييد , مصدوم من حجم التراجع والاستقواء على النظام العام , ومدى بروز ظاهرة التجنح والانقسام داخل اروقة السلطة , ولعل الجراءة التي يتحدث بها المسؤول حال حيازته على لقب السابق , تكشف مدى هذا التجريف في الوعي والتصحر في الثقافة الوطنية .

بل ان ظاهرة الحنين الى الماضي ” النستولوجيا ” تكشف اكثر واكثر , مدى التراجع في قيم الدولة ومنظومتها العميقة ومدى احساس المواطن بتراجع الوزن النوعي لرجال الدولة ومدى انعكاسها على وزن الدولة , حيث ما زالت صورة رجالات الدولة السابقين , اكثر حضورا من اركان السلطة القائمين على مراكزهم , وكل ذلك يتم دون قراءة من عقل الدولة المركزي او مطبخها الاستراتيجي , بل وتحارب السلطة كل من يحاول لفت النظر الى هذا الاختلال او يحاول مراجعة التجربة الوطنية لانتاج حالة اشتباك ايجابي مجتمعي , فقصة اطفاء الضوء عن اهم وثيقة صدرت عن مؤسسة وطنية رسمية – تقرير حالة البلاد – الصادر عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي , تؤكد ذلك .

حالة البلاد تقول , ان قيم الدولة ما زالت حاضرة ويمكن بث الحياة في اوصالها , شريطة ان تُعيد المهابة الى السلطة وان تحترم السلطة قبل اي طرف آخر النظام العام وتمارسه سلوكا وتنفيذا , اما ان تبقى السلطة , حالة تعبير عن مصالح افراد او طبقة بعينها , فهذا يعني زيادة الشرخ بين الدولة والسلطة وزيادة الشرخ بين المواطن وتكويناته السياسية , فالرجال جزء من هبة الدولة وطبقة السلطة الحالية لا تمنح المواطن ثقة بالمستقبل والحاضر .