مرايا – عمرها يقارب الألف عام ، ظلت ترقب مغيب الشمس على مرتفعات تعانقت منذ قرون، تغازل فيها الطفيلة، ثنيات الخليل، ولم تتعب من صفعات الثلوج، ولا خلجات رياح السموم، بل رفضت بعناد أن تموت بهدوء.

تلك هي أشجار السرو عند كتف عاصمة الآدوميين، جنوبي الطفيلة، تمسح بعناد بعض نوبات التعب عن أعين الأنباط، وتجار المؤن والسلاح، وتلوح للبعيد، أن في المنطقة اكبر محمية طبيعية في الأردن، فيها تتهامس الوحوش، وتتعاتب الطيور، وتحكي الغزالة ألف قصة عن بلد الجبال.

نعم، هي أشجار معمرة في مناطق متاخمة لمدينة بصيرا، وفي المحمية الطبيعية في ضانا، ظلت محط اهتمام الزوار من المواطنين والباحثين، وللسياحة المحلية والعالمية، بعد أن صمدت مئات السنين، تعانق فضاءات سفوح الطفيلة الغربية، وتحتل بشموخ، أرجاء واسعة من الأراضي المملوكة للدولة.

وأطلق السكان اسم الأرز على الأشجار والمنطقة الموجودة في تلك الاشجار لتشابهها مع أشجار الأرز في لبنان، فيما تؤكد دائرة الحراج في الطفيلة أنها مجرد أشجار السرو الطبيعي.

وقال الروائي والأديب الدكتور احمد عطية السعودي، أنه كثيرا ما تفيَّأَ بظلالهما المتنزهون الذين يطيب لهم البقاء تحتهما، لتلقيا بظلالهما الندية على تعب المتعبين فتزيله، والمرضى الذين يأتون لاستنشاق هواء عليل يتخلل أغصانهما القديمة الفواحة عطرا وألقا، والتي ما تزالُ خضراءَ غضة رغم قدمهما.

وبين أن تلك المناطق التي كانت تشهد في سنوات الخير أمطارا غزيرة، وتكسوها الثلوج لعدة أشهر في السنة لدليل قوي على وجود غابات منوعة، والتي تراجعت مساحات منها وجفت جراء توالي سنوات الجفاف التي سادت المنطقة أخيرا.

ودعا مديرية الحراج في زراعة لواء بصيرا، إلى تهيئة الظروف للحفاظ عليهما لكونهما إرثا يحكي تاريخ طبيعة المنطقة المرتفعة من جبال ضانا العالية المطلة على وادي عربة وجبال فلسطين.

كما دعا إلى أن تولي الجمعية الملكية لحماية الطبيعة تلك الأنواع من الأشجار أهمية بالغة، وأن تركز على رعايتهما والحفاظ على ديمومتهما.

وترى مديرية الزراعة في لواء بصيرا، أن هذه الثروة الوطنية، أحاطتها وزارة الزراعة منذ سنوات طويلة، بالرعاية والاهتمام، ووضعت حول أطولها عمرا، الأسلاك الشائكة، وخاصة السرو الطبيعي، إلى جانب الاهتمام البالغ بأشجار معمرة أخرى مثل الصنوبر والبطم والعرعر، لكن عبث الإنسان وعلى مدار سنوات اقتلعوا تلك الأسلاك، علاوة على تعرض بعض الأشجار لعمليات التحطيب الجائرة، بعيدا عن أعين مراقبي الحراج المتواجدين في المنطقة باستمرار.

ويعتقد مدير محمية ضانا المهندس عامر الرفوع، ان المنطقة تعرضت، كباقي المناطق الطبيعية في الأردن، لأضرار متعددة أبرزها تدهور الغطاء النباتي، بعد ان كانت المنطقة مغطاة بالغابات الكثيفة من الأشجار عريضة الأوراق والصنوبريات، ولعل الدليل هو وجود وبقاء أشجار السرو الطبيعي والتي قدرت أعمارها بحوالي (1000) سنة، إضافة إلى الأنواع الأخرى التي تم قطعها وتحطيبها ورعيها، ما أدى إلى انجراف التربة وتعريتها واختلال التوازن الطبيعي في هذه المنطقة، وجفاف مياه الينابيع لقلة الأمطار وسوء الاستغلال.

وأشار إلى قضية تراجع الثروة البرية الحيوانية في المنطقة، التي كانت تتواجد فيها أعداد كبيرة من حيوان البدن الجميل والغزلان الجبلية والنمر المرقط والذئب والثعلب وأنواع متعددة من الطيور.

وبين ان حماية المجموعات النباتية، يعد من أهم أهداف إنشاء المحمية، التي تتمثل في الغطاء الأخضر من النباتات النادرة والفريدة من نوعها، كالسرو الطبيعي المعمر، وأشجار البلوط والعرعر والبطم وغيرها من الأشجار، حيث تحوي المحمية على سبعة أنماط نباتية من أصل (13) نوعا نباتيا في الاردن، وحماية المجموعات الحيوانية المهددة بالإنقراض مثل البدن والغزال الجبلي والوبر.

وقال ان من الأهمية بمكان المحافظة عليها في هذه المحمية كموطن آمن للعديد من الحيوانات البرية، الى جانب تنشيط الحركة السياحية وتشجيع السياحة المنظمة، لما تتمتع به من جمال طبيعي ومناظر خلابة، إضافة إلى موقعها المميز، على الطريق السياحي لمدينة البتراء الأثرية، وقلعة الشوبك، وثغر الأردن الباسم، ما يساعد سكان المنطقة على كسب رزقهم.

وقال مدير المحمية، ان الأوضاع تدلل على تزايد الحركة السياحية في المحمية للاستمتاع بمشاهدة هذه الأنواع العملاقة من الأشجار المعمرة، ضمن توقعات تؤشر على ان مجموع الزوار للمحمية سيزيد عن الرقم المسجل في العام الماضي.

واضاف ان الجمال الآخاذ للطبيعة في المحمية، يقف وراء هذا الاقبال على ارتياد المحمية، وخاصة هذا التنوع الحيوي، الى جانب البرامج التي تتمثل بأنماط السياحة البيئية، وذلك الإحساس والوعي العميق لدى الزوار، بالاستمتاع بهذه الطبيعة، ورعاية هذا المصدر لهذا النوع من السياحة في المحمية.

وكانت المحمية الطبيعية في ضانا بدأت عملها عام ( 1993 ) في مناطق جنوبي محافظة الطفيلة، على مساحات تشـــمل قرابة ( 300 ) كيلو متر مربع، تمكنت من تشغيل حوالى ( 85 ) فردا من ابناء وبنات المجتمعات المحلية، في مناطق عملها.

ويذكر ان مساحة المناطق الحرجية في المحافظة بكافة مناطقها تبلغ نحو (411) ألف دونم منها (300) ألف دونم أحراج طبيعية، و(111) ألف دونم أحراج صناعية، علاوة على (62) ألف دونم شجيرات رعوية.