مرايا – أدى انفجار غامض وقع الأسبوع الماضي في روسيا إلى زيادة المخاوف من الوصول إلى عواقب شبيهة بعواقب كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل، وربما كان السبب وراء الانفجار هو أنَّ موسكو كانت تحاول معرفة القدرات المحتملة لأحد أخطر الأسلحة في العالم، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.

ففي يوم الخميس الماضي 8 أغسطس/آب، أطلق انفجارٌ وقع في موقع لتجربة الصواريخ على ساحل القطب الشمالي الروسي إشعاعاتٍ، وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل، من بينهم خمسة عمال يعملون في مجال الطاقة النووية.

ولم تعترف السلطات الروسية بما حدث إلَّا بعد مرور أيام، إذ نشرت في البداية معلوماتٍ مضللة للشعب، قبل الاعتراف بوجود خللٍ في أحد المفاعلات النووية.

ويبدو أنَّ هذه الحادثة قد رفعت مستويات الإشعاع بمقدارٍ يتراوح بين 4 أضعاف و16 ضعفاً فوق الحد الطبيعي، ما دفع السكان القريبين من موقع الانفجار إلى التدافع للحصول على اليود الذي يحد من امتصاص الإشعاع في أجسامهم.

ولا شكَّ أنَّ تتابع الأحداث هذا ليس غريباً على متابعي مسلسل Chernobyl الذي عرضته شركة HBO، والأشخاص الذين عاشوا كارثة تشيرنوبل بالفعل: ففي البداية يحدث انفجار نووي (وإن كان أصغر هذه المرة)، ثم لا يعرف المواطنون المتضررون معلوماتٍ كثيرة بينما تحجب الحكومة الحقيقة، وبعد ذلك تتسرَّب الحقائق إلى أن تعترف الحكومة بأخطائها في نهاية المطاف، ولكن بحلول ذلك الوقت، قد يكون أوان تعافي بعض المتضررين قد فات بالفعل.

إذ قال ديمتري جوكوف، الذي يعيش في مدينةٍ قريبة من موقع الحادث، على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الروسية: «لست من منتقدي الحكومة، لكنَّ سلوكها في هذا الموقف سيئ. لقد تظاهرت بأنَّ الحادث لم يشهد وقوع شيء مُخيف».

لكنَّ السرية المحيطة بما حدث في قاعدة نيونوكسا في شمال غرب روسيا قد لا تقتصر على إبقاء الكارثة النووية طيّ الكتمان، بل ربما تهدف كذلك إلى إخفاء برنامجٍ عسكري رفيع المستوى، لكنه فاشل، عن بعض أعداء روسيا مثل الولايات المتحدة.

ما سبب الانفجار الذي وقع في روسيا؟

يقول بعض الخبراء ومسؤولي الاستخبارات الأمريكية إنَّ إحدى النظريات الرئيسية لتفسير الحادث هي أنَّ الانفجار كان نتيجة فشل تجربة صاروخ جديد يعمل بقوة الدفع النووية.

ففي مارس/آذار من العام الماضي 2018 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق صاروخ كروز جديد يمكنه السفر إلى أيِّ مدى لأنَّه يستخدم قوة الدفع النووية بدلاً من الوقود التقليدي، ويمكنه التهرب من أي دفاعات لأنَّه يطير منخفضاً ويغيِّر مساره. إذ تعتمد معظم أنظمة الدفاع الصاروخي على دقة معرفة المكان الذي يتجه إليه الصاروخ القادم. وبدون هذه الدقة، يصبح من شبه المستحيل تدميره، وتزداد فرصته في الوصول إلى هدفه.

وهذا السلاح، المعروف باسم Burevestnik في روسيا أو SSC-X-9 Skyfall كما تُطلِق عليه دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سيكون محور قدرة موسكو على تهديد أهداف بعيدة مثل الولايات المتحدة. ومن ثَمَّ، فلا عَجَب في أن يخفي الكرملين أنَّ السلاح الذي سيغير موازين القوى قد فشل في إحدى التجارب، بل وتسبَّب في ذعر نووي كذلك.

وعلى الجانب الأخر، قال خبراء آخرون إنَّهم غير متيقنين من أنَّ هذا هو ما حدث، مشيرين إلى أنَّ روسيا من المستبعد أنَّ تُجرِّب الصاروخ بالقرب من أماكن تواجد السكان. وأشاروا كذلك إلى أنَّ بعض الأسلحة الأخرى ربما تعمل بقوة الدفع الناتجة عن الاحتراق.

وبغض النظر عن السبب، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدةً مساء الاثنين 12 أغسطس/آب قال فيها إنَّ «الولايات المتحدة تعلم الكثير عن انفجار التجربة الصاروخية الفاشلة في روسيا». ويبدو أنَّه أشار كذلك إلى أنَّ الولايات المتحدة تمتلك سلاحاً سرياً أقوى من ذلك الذي ربما تكون موسكو قد اختبرته. لكنَّ هذا يبدو مسبتعداً للغاية، لا سيما أنَّ أمريكا ألغت خططاً لصناعة صاروخٍ يعمل بقوة الدفع النووية قبل عقود.

وبين الغموض وتباهي ترامب، من المستبعد أن يتضاءل الاهتمام بعواقب هذه الكارثة الروسية السرية قريباً.

ما مدى صحة فرضية أنَّ هناك صاروخاً يعمل بقوة الدفع النووية وراء الانفجار؟

ذكر فابيان هينتز، الذي يتابع الموقف باستخدام استخبارات المصادر المفتوحة في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، أربعة أسباب تجعله هو وآخرون يعتقدون أنَّ السلاح الذي يعمل بقوة الدفع النووية هو سبب الحادث:

فأولاً، تُقدِّم صور الموقع المُلتقطة عبر القمر الصناعي بعض الأدلة. إذ تُظهِر الصور التي حللها الخبراء أنَّ هناك هياكل -صومعة وحاويات شحن زرقاء- في قاعدة نيونوكسا مشابهة لبعض الهياكل في موقعٍ آخر شهد اختبار الصاروخ. وهناك كذلك صورٌ لمنصة إطلاق بحرية بالقرب من الموقع تحمل علامات حروق سوداء، وهو مؤشر قوي على تعرُّضها للحريق و/أو الانفجار.

وثانياً، كان العاملون في الموقع يتعاملون مع مواد نووية. إذ أصدرت وكالة الطاقة النووية الحكومية الروسية روس آتوم يوم السبت الماضي 10 أغسطس/آب بياناً قالت فيه إنَّ خمسة من موظفيها الذين يعملون في موقع عسكري في تلك المنطقة قد لقوا مصرعهم، بينما أصيب ثلاثة آخرون «بجروح وحروق متفاوتة الشدة» بسبب «حادث». وبعد ذلك بيومين، دفن أقرباء الرجال الخمسة جثثهم.

وثالثاً، أشار البيان نفسه كذلك إلى أنَّ المشروع الذي كان الموظفون الذين لقوا حتفهم يعملون فيه يتضمَّن «الدعم الهندسي والتقني لمصادر الطاقة التي تنبعث من تحلُّل النظائر في أحد أنظمة الدفع السائل». ثم أكَّد المدير العلمي للمركز النووي الفيدرالي الروسي يوم الاثنين أنَّ العلماء النوويين في الموقع كانوا يعملون على «مصادر طاقة صغيرة الحجم تستخدم مواد انشطارية مشعة» وقت الانفجار.

وجديرٌ بالذكر أنَّ الصواريخ لا تحتاج إلى طاقة نووية للانطلاق، بل كل ما تحتاج إليه هو وقود منتظم. لذا فوجود علماء نوويين في موقعٍ لاختبار الصواريخ يعملون على مواد مرتبطة بأنشطة نووية يشير إلى أنَّهم ربما كانوا مُكلَّفين بالعمل على السلاح الجديد الذي تحدث عنه بوتين.

وأخيراً، يثير وجود سفينة Serebryanka الخاصة بشحن الوقود النووي بالقرب من موقع الانفجار شكوكاً. إذ قال هينتز إنَّ هذه السفينة، التي صممت خصيصاً لحمل المواد النووية وشحنها، كانت «موجودة في بعض الاختبارات الأخرى لصاروخ Burevestnik». بل شوهدت في العام الماضي وهي تستعيد صواريخ محطمة من طراز Burevestnik في القطب الشمالي. لذلك من الممكن أنَّ السفينة كانت تؤدي الوظيفة نفسها في نفس المكان هذه المرة.

وأضاف هينتز أنَّنا إذا وضعنا هذه الأسباب الأربعة بجوار بعضها، نجد أنَّه «من المنطقي» أن يكون الصاروخ الذي يعمل بقوة الدفع النووية هو السبب وراء الانفجار.

لكنَّ البعض يشك في هذه النظرية بالرغم من الأدلة المقنعة.

إذ قال بافل بودفيغ، الخبير في شؤون الجيش الروسي، إنَّ هذه النوعية من الصواريخ غالباً ما تُختبَر في أرخبيل نوفايا زيمليا في المحيط الشمالي المتجمد بعيداً عن المواطنين العاديين. وأضاف أنَّ «إجراءها بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان ليس منطقياً على الإطلاق».

وأكَّد أنَّ الإشعاعات الصادرة عن السلاح كانت ستكون أشد بكثير لو انفجر بالفعل. والأكثر من ذلك، أنَّه من المحتمل أن تكون بعض الأسلحة السرية الأخرى التي تهدف روسيا إلى تطويرها -مثل طائرة بدون طيار تعمل بالطاقة النووية تحت الماء- هي السبب وراء الحادث. وقال: «يبدو أنَّ كل الخيارات واردة».

وبغض النظر عن ذلك، قال بوتين إنه يريد تطوير هذا الصاروخ، ما يجعلنا نتساءل الآن عن الوقت قد يستغرقه للحصول عليه. والخبر السار هو أنَّ الجواب قد يكون إنَّه لن يستطيع ذلك «أبداً».

لماذا لن تنجح روسيا، على الأرجح، في صناعة صواريخ نووية

على المرء أن يتذكر أن صناعة وتشغيل صاروخ، ناهيك عن صاروخ ليس موجوداً بالفعل، هو علم الصواريخ الفعلي. إنها عملية معقدة للغاية، وقد تحدث كوارث تضع البشر في خطر شديد عند اختبار أسلحة جديدة. لذا، هناك تضحية بعض الشيء في تصميم وتطوير سلاح مثل Burevestnik، خاصة للقائمين على تصنيعه، وفي بعض الأحيان، لمن يعيشون بالقرب من مواقع الاختبار.

الولايات المتحدة تعلم ذلك جيداً. لقد حاولت تطوير صواريخ نووية في برامج تجريبي يعرف بـ «مشروع بلوتو» خلال الحرب الباردة، ولكن سرعان ما اكتشف المهندسون أن تشغيله سيكون فائق الصعوبة.

والسبب هو أن هذا النوع من المقذوفات يستخدم ما يعرف بـ «المحرك النفّاث التضاغطي«. وفي أبسط مستوياته، يستنشق هذا المحرك الهواء بسرعة كبيرة بحيث يجعل المحرك يعمل، ثم يسخّن المفاعل النووي داخل الصاروخ هذا الهواء في المحرك النفاث ويطرده، مما يدفع السلاح إلى الأمام. ولكن الحصول على جميع الأجزاء المناسبة ليعمل بشكل صحيح أصبحت مشكلة لا يمكن التغلب عليها، جزئياً لأن ذلك سوف يضيف للصاروخ وزناً كبيراً، وبذلك لن يتوفر للسلاح القوة الكافية للعمل.

كتبت شيريل روفر، الكيميائية التي عملت في مختبر لوس ألاموس الوطني، في مدونتها يوم الاثنين 12 أغسطس/آب 2019: «هناك اعتبارات هندسية جذرية وأساسية تفيد بأن تصميم صاروخ كروز نووي بمصدر طاقة صغير جداً سيكون صعباً للغاية أو مستحيلاً».

ربما قد تدرك موسكو الآن مدى صعوبة صناعة ذلك السلاح وتلغي البرنامج. أو قد يختار بوتين تعزيز ترسانته النووية، الكبيرة بالفعل، بالمزيد من الأسلحة التقليدية. فهي لا تقل خطورة وتهديداً بأي حال بالنسبة لأعداء الكرملين.

وقال فيبين نارانغ، الخبير النووي بمعهد ماساتشوستس للتقنية بعد إعلان بوتين العام الماضي: «الأمر أشبه بمحاولة صناعة صواريخ كروز من طراز فيراري، قد تبدو رائعة، ولكن يظل طراز تويوتا قادراً على الوصول بك إلى نفس الهدف».

وبذلك، كان انفجار الأسبوع الماضي بمثابة نكسة مؤسفة وقاتلة لطموحات بوتين العسكرية. ولكن لا يزال بإمكانه العثور على طرق أخرى، أسهل، لتحقيق مبتغاه.