مرايا – في يوم 5 يناير 1996 أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال القيادي في كتائب القسام يحيى عياش في مدينة غزة، التي وصلها صيف 1995، قادما من الضفة الغربية أثر اطباق الحصار عليه بعد سلسلة عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال وكيانه، منحته لقب “المهندس”..

إغيتال “المهندس” يحيى في ذلك التوقيت جاء بشكل مباشر لخدمة اليمين المتطرف الاسرائيلي، عشية قرار اجراء الانتخابات أثر إغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، شريك الخالد ياسر عرفات في اتفاق أوسلو، بعد مظاهرات شارك فيها عشرات آلاف من عناصر اليمين واليمن المتطرف وكل “أعداء السلام” مع الفلسطيني، حيث إتهم بأنه تخلى عن “أرض اسرائيل في يهودا والسامرة” و”حلمهم التهويدي” في الضفة والقدس وخاصة حائط البراق ( قبل ان يقدم لهم هدية من فريق محمود عباس)..

مظاهرات قادها مجرم الحرب الراحل شارون ومعه بيبي نتنياهو، وضعت الشعارات النازية على صور أبوعمار ورابين، وألبست رابين “الكوفية” الفلسطينية إمعانا في الاتهامات..ولم تمض فترة طويلة على تلك المظاهرات حتى أقدم أحد عناصر تلك القوى المعادية للسلام على إغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد التوقيع على الاتفاق الانتقالي في سبتمبر 1995، الاتفاق الخاص بالضفة والقدس، في شهر نوفمبر 1995..

الإغتيال العلني ووسط حراسات لم تمنع القاتل، كان الرسالة الاسرائيلية الأبرز على طريق الغاء كل اتفاق مع منظمة التحرير..

في صيف 1995، وخلال مفاوضات الاتفاق الانتقالي قام جهاز “الشاباك” الاسرائيلي باعلام السلطة الفلسطينية، أن المهندس يحيى عياش قد وصل قطاع غزة، وأن ذلك سيفتح مشكلة كبيرة يجب أن يكون لها حل، كي لا تتدهور الأمور أكثر، خاصة وأعداء السلام يبحثون كل ثغرة أمنية لإستخدامها لعرقلة تنفيذ الاتفاق..

وبعد مباحثات توصل الطرفان الى “تفاهم”، أن لا تقدم قوات الاحتلال على أي عمل ضد يحيى عياش، مقابل أن لا يقوم بأي عمل ضد اسرائيل الى حين خروجه من غزة، وكانت الترتيبات تتجه الى أن يذهب الى السودان..

وبالفعل استمر التفاهم من صيف 1995 حتى 5 يناير 1996، أي ما يقارب الستة أشهر، تفاهم حافظ كل طرف على ما وعد، دون أي خلل، وكان الشهيد الراحل مثالا في الانضباط، تقديرا منه ومن حركة حماس على ما أقدمت عليه السلطة الوطنية، وباشراف مباشر من الخالد أبو عمار لحماية يحيى من أي عمل عدواني أو تصفية واغتيال..

وصباح يوم 5 يناير 96 حدثت الخطوة الثانية من الخروج عن مسار الاتفاقات فأقدمت سلطات الاحتلال بقصف المنزل الذي يقيم به الشهيد يحيى، ولم يكن الأمر سرا كبيرا، خاصة وأن العميل كمال حماد رجل الأعمال الذي قدم أخر خدماته للأمن الاسرائيلي قبل هروبه في ذات اليوم الى تل أبيب، يعلم كل حركات الشهيد، كونه يقيم في منزل من منازل “عائلة حماد”..إغتيال المهندس كان “هدية” رئيس الشاباك الاسرائيلي كرمي غيلون الى “أعداء السلام”، كونه يعلم يقينا أن حركة حماس، ومعها الحق، لن تقف مكتوفة الأيدي ليس على إغتيال المهندس فحسب، بل على الخديعة بعد الاتفاق..

واليمين المتطرف في تل أبيب كان يبحث عن عمل عسكري يمكن أن يفيدهم في الانتخابات، ولأن الشاباك يعلم يقينا رد الفعل القادم، كانت تلك العملية الدنيئة، وفعلا لم يمر وقت طويل حتى أعلنت حماس عن سلسلة من العمليات هزت دولة الكيان، لكنها بالمقابل هزت أركان الاتفاق، ففتحت الطريق لفوز اليمين المتطرف عدو الاتفاقات مع منظمة التحرير، فحصل نتنياهو وتحالفه على الأغلبية في انتخابات الكنيست نهاية مايو 1996 ، ويخسر شمعون بيريز.. فاز عدو الاتفاق لتبدأ رحلة تعبيد طريق الخروج التدريجي من عملية السلام وتدمير أسس الاتفاقات الموقعة..

لذا من يعتقد أن إغتيال المهندس يحيى عياش جاء انتقاما لأعماله ما قبل الوصول الى غزة، فهو ليس مصيبا، لكنه كان “الهدية الأهم” من رئيس الشاباك لليمين المتطرف، وربما للمخابرات الأمريكية حيث لم تكن الإدارة في حينه راضية عن ما حدث من اتفاق..

إغتيال المهندس يحيى كان جزءا من مسار تدمير عملية سلام، التي وضعت نهايتها العملية في قمة كمب ديفيد وقبرت رسميا، بإغتيال الخالد الشهيد المؤسس أبو عمار في نوفمبر 2004، وكل ما تلى ذلك كان تغييرا في مسار لخدمة المشروع التهويدي، الذي بدأ يقطف ثماره الكاملة في هذه الأيام..

ملاحظة: لقاء وزاري عربي يعقد في عمان، يذهب اليه الطرف الفلسطيني دون أن يعرف ما يريد تحديدا، وتلك مصيبة بذاتها أن يكون ممثل القضية بلا وعي لما يريد.. الأمل أن يعلن عن قمة عربية لكن متى وكيف واين ولشو..تلك هي المسألة!

تنويه خاص: اشاعت حكومة “الفتى رامي” أنها طالبت دولة الاحتلال باعادة خط كهرباء الى قطاع غزة..أهل القطاع لم يروا شيئا تغير فكان السؤال لمن دفعت يا رامي..لاسرائيل أم لصندوق آخر..عيب الي بتعملوه وبتقولوا بدكوا تواجهوا..شكلها المواجهة مع الشعب مش مع محتل الشعب!حسن عصفور