مرايا – عمر كلاب

 

دأب الكتاب على عدم الاشتباك بينهم في مجال الحرف وفضاء المقال ، مكتفين بالهمس في النقد او اللمز في المجالس ، لكنها فرصة ان نستعيد وعي الاشتباك وذاكرة المواجهة ، رغم تباعد الأمكنة في الكتابة وتقارب الارواح في الصداقة ، فأنت اخترت الغد بما يحمل وتحمل من غموض وانا ابحرت في الانباط على شُحّ الامكانيات ، ولكنك في مقالك عن نجاح برنامج طوني خليفة على فضائية الاردن اليوم التي عانت من ضغوطات وتسويات ومماحكات وتقلبات ، قبل ان تنفد الى المشاهد وسط صخب الفضاء واكتظاظ الاثير بالشاشات ، خالفت صرامة الاكاديمي المطلوبة وانحزت الى الأمني او بقاياه التي تسكن زاوية في روحك ، ولا الومك فالقفز عن الاسباب الى النتائج بات نهجا واخشى ان يستقر منهجا ، ولأنك ايضا وضعتني في خانة الرد ، بعد ان قلت لي انني كنت حاضرا في ذهنك وانت تكتب ما كتبت . نجاح طوني خليفة في برنامجه ليس صدفة او محض حُسن طالع لاعلامي عريق ، بل ولادة طبيعية لمرحلة قيسرية عاشها الاعلام الاردني ، منذ ان تحول الاعلام من الرسالة الى الارسال ، فقد غادر وصفي التل وعدنان ابو عودة وعبد الحميد شرف مقر الاذاعة بعد نجاح في مواجهة مع صوت العرب وصوت الغضب ، فخلقوا واقعا للاعلام ينبجس منه القيادات والزعامات ، فكتب حابس المجالي اغنية ، ووقف ذات رجفة من المغني خلفه كي يهدر مع المرددين خلف المطرب ليقول تخسى يا كوبان ، وانجبت الاذاعة جورج حداد وطارق مصاروة ، فصار الاعلام بندقية وصار الميكرفون يقضّ مضاجع السياسيين ، الى ان تسللل الى وعي السلطة طبقة خشيت اعلام الدولة ومصنع القادة فخشونة صوت صلاح ابو زيد كانت تخرمش طرواة وعيهم وتُدمي احلامهم بصناعة اعلامية على مقاسهم ، فبات الاعلان عن التغيير الحكومي او التعديل الوزاري حكرا على وكالة اجنبية وصحفية بعينها وبتنا نعرف اخبارنا من اذاعات مونت كارلو وصوت امريكا وال بي بي سي وحتى اذاعة الكيان الصهيوني .

 

وتفاقمت شهوة السياسي اكثر بالسطوة على الاعلامي منذ ان تم ازاحة محمود الكايد عن سدة الرأي في خسارة موجعة سبقتها محاصرة للصحف على شكل تأميم ، بعد ان ورثت الصحافة الورقية مجد الاذاعة في احتضان الرموز وصناعة قادة الوعي ، فكان عبد الرحيم عمر ومؤنس الرزاز وبدر عبد الحق وفخري قعوار ، يرسمون المشهد الوطني على اختلاف تلاوينهم السياسية وابتعادهم في العشق عن رؤية السلطة واندغامهم الكامل مع فكر الدولة ، رغم نجاح السلطة في استقطاب سليمان عرار ومحمود الشريف وكامل الشريف وجمعة حماد وزراء ، قبل ان يلتحق على شكل مكافأة نهاية الخدمة وربما على شكل اعتذار محمود الكايد ، وتفاقمت سطوة السياسي بعد خنوعه للأمني ، بوصفه القفاز الظاهر والحامل لأي وزر ، وتحول الاعلام الى استزلام في حقبة الصحافة الاسبوعية وما أورثته لاحقا لكثير من المواقع الالكترونية ، وامتطى صهوة الاعلام شرّ فرسان ، وتم استقراض مربع التصغير من الكمبيوتر ( المينيمايز ) لقيادات الاعلام الرسمي ، فصرنا نسأل الغوث من غيث ولم نجد بعد النطاسي الذي ينقذ الشاشة من اقلاب في الاسم وكان الامل ان يكون الاقلاب في المنصب . ربما اطلت ، لكنها ضرورة كي اقول لماذا نجح طوني ولم نفشل نحن ابناء التجربة الاردنية المحلية ، واستعير بعض ذاكرتك هنا كي تكتب او تستذكر ، كيف تحولت اوراق العمل التي انتجتها انت وفريقك في التلفزيون الرسمي بخيانة او باستهتار الى برنامج عمل لشاشة خاصة نجحت وتفوقت وكيف تم اجهاض تجربة مصطفى الحمارنة لتحديث الشاشة ، وأستكمل ، كيف تفشل شاشة كانت انموذجا وما زال فتيانها يحققون البصمة تلو البصمة في الاعلام العربي والعالمي ، مثبتين ان الخلل ليس منهم وفيهم ، لكن البلاد ضاقت بأهلها ولعمرك صدور رجالها لا تحتمل دقة على الضلوع من حجم الرداءة ، فكيف لفاقد الشيء ان يعطيه ، وهنا اتوقف عن السياسة لادخل باب الاجتماع في الرد على مقولتك التي قلت فيها ان طوني نجح في التسلل الى الصندوق الاسود في صدور رجال الدولة ، وأتفق معك تماما في النتيجة واسمح لي ان اتجرأ في قراءة الاسباب . منذ ردح طويل ونحن نردد مقولة ( الفرنجي برنجي ) ولعلها فاتحة القول ، فالسياسي في بلدنا مفتون بالاجنبي او للدقة لغير الاردني وأظن سماحة المجتمع اللبناني سمحت للمسؤول الاردني ان يتحث عن خصوصياته ، فالمذيع طوني خليفة ، لبناني بكثرة ، ويمكن ان يسأل عن الزوجة والعشيقة والصديقة دون تأويل ، ولو سألها اعلامي اردني لتم تشميسه بكل التهم ، فنحن تربية مجتمع يخشى الضحكة والحديث عن المخدع والمحرَم، و كان لا يجازف بغزل بنات الحارة بل يذهب الى حارة ثانية تاركا صبايا الحارة لابناء الحارة الاخرى ، ونحن نعرف ان كثير من الفتيات يخرجن من منازلهن بالحجاب المخلوع بعد اول منعطف ويعود الشال او الحجاب قبل ان يدلف السائق الى الحارة بقليل ، فنحن اثنان في واحد ، وتعلم قبل واكثر من غيرك ، اننا في الخارج منفتحون وقابلون للتطور ونترك شرنقتنا الداخلية في المطار او على المعبر الحدودي ، فنرتدي جلباب الوقار والوجه العابس ، وتعلم اننا نسهب في الحديث للاعلام الخارجي ونستبقي الكليشهات للاعلام المحلي وآخر دليل ما كتبته فضائية السي ان ان عن زيارة كوشنير والخبر الرسمي الذي اتحفنا به الغيث الرسمي الذي لم ينهمر بعد ، ثمة الكثير مما يستوجب الكتابة لكنه ضيق الوقت وضيق المساحة وضيق الرؤيا في بلد فرّط باعلامه الناضج من اجل عجر المسؤولين واسترضاء الاحباب والمريدين