بهدوء
مرايا – عمر كلاب 

رغم ان ظروف المنشأة لم تكن مثيرة او جاذبة للمراقبين خصوصا والاردنيين عموما , الا ان وزارة التخطيط والتعاون الدولي ومنذ الالفية الثالثة تحظى بمراقبة خاصة وبظلال من الشك حيال اي تصريح او مشروع تقوم به ، فالوزارة التي اكتسبت موقعا متميزا في القرار الاقتصادي والتأثير السياسي بحكم طبيعة وزرائها وآلية قدومهم من مقاعد الدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي او من مكتب الملك ؛ جعلها مطمعا من كثيرين وحملّها اكثر مما تحتمل .

منذ جلوس الوزير باسم عوض الله على مقعدها والوزارة تقع تحت دائرة الشك , واليقين الوحيد الذي استقر عنها انها الذراع الاقتصادي للديوان الملكي ربما بحكم انتقال عوض الله منها الى المكتب الخاص مديرا وربما بحكم حركته غير المألوفة وبرامجه التي لاقت الكثير من الانتقاد والتشكيك حد التفريط بالدولة وصورتها وثوابتها ، وقد منحت شخصية الرجل الملتبسة عند الاردنيين الوزارة التباسا مخلوط بالكراهية , فالرجل داس على اقدام كثيرة في حركته من الحكومة الى الديوان وبالعكس , وتلقى تهما وصدمات ينوء عن حملها جبال بشرية .

ربما كان الرجل مظلوما في كثير من التهم ولكنه بالقطع ظلم نفسه وظلم الوزارة بحركته واستعجاله ، تحديدا وهو القادم من خارج الصندوق التقليدي او العلبة البروقراطية الرسمية فتم تضخيم حضوره لتضخيم الهجمة عليه وعلى مشروعه الاقتصادي الاجتماعي الذي اخفق في تحقيق اسناد شعبي رغم نجاحه الاقتصادي ، وقد توارث هذه المحصلة كل وزراء التخطيط اللاحقين له , فمعظمهم من نفس علبته وهبطوا الى الوزراة من الديوان الملكي ومكتب الملك باستثناء ابراهيم سيف الذي كان فاصلة عشرية في الوزارة كما هي ماري قعوار .

ما اسلفت فيه تأسيس لقراءة اللحظة في ضوء الهجوم على تصريحات وزير التخطيط الطازج محمد العسعس , الذي عمل في الديوان الملكي بصمت ونجح في الابتعاد عن الشغب الاعلامي او الدوس على اقدام أحد من طبقة النخبة في مؤسسة الحكم , لكنه لم يقرأ سيرة الوزارة ولم يتحقق من مدى التحفظ على ادائها وعلى المفهوم العام عنها ، تحديدا اذا كان القادم اليها من الديوان ، ولعلني هنا اغوص في التحليل الاجتماعي قليلا , فأقول ان الاردنيين استشعروا قوة هذه الوزارة واهتمام الملك بها , فشعروا انها تشاركهم ملكهم وهم لا يحبون احدا يشاركهم ملكهم .
تصريحات العسعس جرى تأويلها وتحويرها واستند المؤولون والمحورون على الذاكرة الشعبية السلبية عن التخطيط الوزارة والوزراء , والتقط الحالة نشطاء التواصل الاجتماعي والباحثون عن اللايك والشير , وتلقف التصريحات ايضا باحثون عن الشعبية والصوت الانتخابي , فدفع الرجل ثمن سابقيه , ولم يدفع كلفة تصريحاته التي انتقدها بعض العقلاء لمساواتها بين الملتزم والمتهرب ، ولانها صارمة حد الصدمة في التخاطب مع الشارع العبي , ولعل معهم بعض الحق وبحكم ظلال الوزارة فلا احد سيعذره او يلتمس له العذر .

العسعس يدفع ثمن الصورة النمطية عن الوزارة ووزرائها ويدفع اكثر ثمن المكان القادم منه وثمن آخر , انه جاء مع رئيس ينتمي الى نفس الجامعة التي تخرج منها الرجل , فصار الانطباع السائد ان العسعس والرزاز يسعون الى تشكيل نمط ” هارفرد ” على غرار جماعة ” شيكاغو ” في سنغافورة مع فارق الانجاز والصورة السائدة , لكنه حتى اللحظة لم يرتكب خطأ او خطيئة وما زال محافظا على مسلكه الهادئ ، وعدم الدوس على الاقدام او السخاء في التصريحات والوعودات بانها السمن والعسل وهذه تحسب له لا عليه , لكن السائد والاهم ان الجميع ما زال يرى غياب التخطيط وحضور القروض وعدم شفافية المنح وتلك ازمة الوزارة الاكبر التي على العسعس ان يعالجها .