بهدوء
مرايا – عمر كلاب

كيف سنقف امام انفسنا اولا ونحن نراجع طبيعة المجتمع الاردني قبل عقود , من مشاهد الجامعة الاردنية وصور تخريج طالبات الصف الخامس ثانوي الى باقي الاحتفالات والمناسبات , صور بالاسود والابيض صحيح , لكنها تنبض بكل الوان الحياة والفضيلة والعلاقات الانسانية الملتزمة بكل القيم , فالمرأة لم تكن محجبة بل كانت تنورتها اقصر من دشداشة داعية يبحث اليوم عن حرب لمقاومة الرذيلة , التي لم نعرفها قبل ان تظهر كل القوى الظلامية التي تأسست على فكرة المجتمع المؤمن ودولة الخلافة والمجاهدين في اقاصي افغانستان رغم ان فلسطين على بُعد خطوتين .
كان المجتمع اكثر التزاما واقل عنفا وتطرفا , قبل ان تتحالف دشداشة الداعية مع خوذة المارينز ورجعية الانظمة من اجل الحرب في افغانستان وطغيان اقتصاد السجادة المفرودة بعد الصلاة لجمع التبرعات لإخوانهم المجاهدين هناك على اقتصاد العونة المجتمعي , وسط دعم غير محدود من كل الانظمة وتواطؤ عجيب من واشنطن التي استردت خسارتها في فيتنام على الارض الافغانية بفتاوى تيار السياسة المتحالف مع الداعية الديني , وظهور المال النفطي والداعية المصري كعنوان للتحالف قبل ان ينضم شيوخ النفط وانصار المذهبية الى الحروب الوهمية التي تنوي تحرير فلسطين من افغانستان .
هنا جذر المشكلة وهنا بداية خسارتنا لمجتمعنا الذي فقدناه في ظروف غامضة , نتيجة تحالف الرجعية مع الفكر الديني بكل تلاوينه السلفية والاخوانية والتحريرية , ووصلنا الى لحظة استجابة رسمية مقلقة عنوانها التنافس على ارضاء التيار الظلامي , حتى وصلنا الى ” درع ” التي تسعى الى انتاج ميليشيا لمحاربة الرذيلة قبل ان تقلب العنوان لنشر الفضيلة التي كانت سائدة قبل طغيانهم كتيار متأسلم في الحياة العامة وظهور فضائيات لهم ووصولهم الى مقاعد السلطة والسطوة على المجتمع , فباتوا هم السلطة المجتمعية وهم القضاء الذي لا يقبل الاستئناف او النقض , فمن يجرؤ على مخالفة داعية او اعلامي ملتحٍ بنى فضائية على ارضية الاستثمار في الحالة السائدة . قلت واقول وسأبقى , ان منع مؤتمر درع لمحاربة الرذيلة كان خطأ , كما كانت رعايته من وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية خطأ اكبر , فالاصل ان تظهر كل الافكار تحت الشمس فنقضي على الفيروسات والميكروبات باشعتها الساطعة , لأن منع درع سمح لالغاء كل الاحتفالات والنشاطات الكرنفالية وهذه غاية التيار الظلامي المتحالف مع التيار الرجعي والتيار العلماني المتوحش لاقصاء كل فكر انساني حضاري يبني الدولة العصرية الحديثة القائمة على المواطنة والحقوق والواجبات , ويسلب المجتمع كل مخزونه وإرثه , فنحن الآن نسأل بمرارة عن المجتمع الاردني الذي يخدش قيمه احتفال رغوة ولا يخدش وجدانه هذا الكم الهائل من التطرف والعنف والفساد وانحدار السلوك .
اليوم ندفع ثمن تراخينا في الدفاع عن قيم المجتمع الذي بنيناه بعرق وتعب , المجتمع الذي كان يَشتّم  الواحد منا رائحة طعام الجيران قبل وصول الطبق الى مائدته بدقائق , المجتمع الذي لم نعرف فيه اسعار المشمش والعنب وباقي اللوزيات , لأن جيراننا السلطية كانوا يرسلونها لنا وهم في قراهم , المجتمع الذي كنّا نصطف فيه للدبكة جميعا دون ادنى خدش للحياء او تحرّش , المجتمع الذي كانت في الصبية تذهب الى الجامعة او المعهد محروسة بكل عيون المجتمع وليس كاميرات الحماية او المراقبة .
نعم , كنّا نتغلب على ضعف الحريات العامة وانعدام الحياة السياسية بالحياة المجتمعية الهنية والخدمات الحكومية الرشيقة والمواصلات العامة , فخسرنا المجتمع في ظروف غامضة ولم نربح اي معركة او حياة سياسية وهذا ما اراده تيار الرجعية بتحالفه مع تيار الاستثمار الديني .