مرايا – بهدوء : عمر كلاب – ” كانوا يطلبون مني اعادة قراءة النتائج وتعديل الارقام والنسب حتى لا ننفضح ” , بهذه الجملة استهلت مديرة سابقة للدراسات والابحاث حديثها لبرنامج اذاعي تفاعلي , مؤكدة انها كانت تبكي ولكنها لا تستطيع مخالفة الامر حرصا على وظيفتها , مسترسلة انها تعرف زملاء لها في مؤسسات ودوائر رسمية كان يقع عليهم نفس الضغط , بحجة ان هذه النتائج سيتم عرضها على شخصيات رفيعة ومؤسسات دولية ولا داعي للفضائح حسب تعبيرها .
الرقم في الاردن وجهة نظر وليس مجرد دلالة رقمية , قابلة للانعكاس على البرامج والخطط والقوانين وتاليا على السلوك , فهو وجهة نظر سياسية بإمتياز , ويخضع الرقم لتسسيس في كل المواقع والمناسبات , فالتعداد السكاني خضع للتسييس وكذلك معدلات الفقر والبطالة وحتى تعدادالمقترعين في الانتخابات البرلمانية يخضع لمعايير سياسية صارمة نجح الاردن في تضبيبها مما اسفر عن تراجع الثقة في مؤسسات السلطة حد الانهيار , وانعكس سلبا على مخرجات العملية التشريعية والاستراتيجية .
الرقم وجهة نظر , نعم , لكنه يجب ان يكون رقما صادقا يمنح دلالة اجتماعية وقانونية واقتصادية , فكيف يمكن ان نبني تشريعا اجتماعيا في ظل غياب نسبة الفقر في الاردن دون تحديد خط الفقر , سواء على مستوى انفاق الفرد او دخله ؟ وكيف سنبني استراتيجية لمحاربة الفقر او لدعم الاسر المحتاجة , وكيف سنعرف الفرد الخاضع للضريبة على الدخل من غيره وايضا نصيب كل سلعة من الضرائب , حسب الحاجة المجتمعية وحسب نسبة الاستهلاك , فمثلا الالماس لا يخضع للضريبة العامة على المبيعات في حين تخضع شبكيات القلب للضريبة , فهل يعني ذلك ان الالماس سلعة استراتيجية في بلد يعاني من امراض القلب وتصلب الشرايين ؟
تسييس الرقم في الاردن يقارب حدّ الفاجعة , فهو تسييس تضليلي لصاحب القرار ولصانعه ايضا , كما يستشف من جملة مديرة الدراسات اول المقال , فالفضيحة التي يخشاها المدير او الوزير هي فضيحة عجزه الشخصي وسوء ادارته , لكنه يحولها الى فضيحة وطن بكامله حين يخفيها , وتثبت كل الدراسات اللاحقة والخطوات المبنية على الرقم الضآل , ان العجز يتراكم ويزداد كما هو الحاصل بين ظهرانينا اليوم , فرغم البيوعات والخصخصة الا ان المديونية تزداد والتضخم يرتفع والعائدات تنخفض .
الحوار الذي اجريته امس مع مدير عام دائرة الاحصاءات العامة يكشف حجم الضلال والتضليل في الارقام , ويكشف اكثر حجم الانكار الذي تعيشه الاجهزة الرسمية للازمة الخانقة التي تعصف بالمواطن الاردني , مما يراكم كل يوم احتقانا زائدا قد ينفجر في اية لحظة ولابسط سبب , فمخزون المواطن من القهر بسبب الغش والتدليس الذي تمارسه الجهات الرسمية فاق كل التوقعات والحدود , وكل مسؤول يسعى الى الهرب في مرحلة مسؤوليته لتنفجر الازمة في حضن غيره وكأنهم ياتون الى الموقع بانقلاب او بانتخابات حزبية نزيهة .
في النظام الملكي الوراثي , ترحيل الازمة يقارب الخيانة , وعدم وضع استراتيجية طويلة المدى خيانة عظمى , فالازمة اذا لم تنفجر في حضن الملك اليوم ستنفجر في حضن ولي عهده غدا , ويجب التوقف عن التدليس والتجميل ومواجهة الوطن بالمواطن بكل الازمات لنبدا في تفكيكها عبر اولويات وطنية استراتيجية حاسمة , وعلى رئيس الوزراء اعادة قراءة كل الارقام الواردة اليه وفلترتها ووضعها امام المواطن وصاحب القرار بوضوح , فالملك ربّ اسرة كما قال في خطاب العرش الاخير , والاسرة تحتمل تراجع الدخل وتتكيف معه .