مرايا – بهدوء:عمر كلاب – نجحت التجربة الادارية الاردنية بفضل البيروقراطية الادارية التي انتجت قيادات متمرسة في مستواها الثاني ، فالمنصب الاول سياسي وليس اداري كما كانت التجربة ، والقيادة الوسيطة خبيرة وقادرة على تحويل النهج السياسي الى سلوك اداري وبعدها قرار تنفيذي يحقق المصلحة السياسية ، فصار الاردن عنوانا لسرعة الانجاز من معاملة جواز السفر التي تستغرق ساعة دون تدخلات شخصية او النفق الذي ينتهي في تسعين يوما ، ناهيك عن باقي الاوراق والاجراءات التي كانت تستغرق اياما في حين كانت تلك المنجزات تستغرق سنوات واشهر في دول مجاورة وشقيقة .
الاختلال بدأ منذ ان بات المنصب الاول تقني او تكنوقراط لم يتدرب في مؤسسات الدولة ولم يعرف ادراجها ومكاتبها ، فارتبطت البيروقراطية التي تعني ثقافة المكاتب بالترهل ولاحقا بالفساد دون قراءة الاسباب التي اوصلتنا الى النتيجة السابقة بل تم التعامل مع ثنائية البيروقراطية والترهل كمتلازمتان ، والربط كان واعيا من التكنوقراط الذي كان ينتقل من الوظيفة الشخصية والخاصة الى القطاع العام وبالاتجاهين ، وفتنتنا سرعة التكنوقراط وجراءتهم على الواقع الوظيفي لفترة حتى صاروا عنوان مرحلة وحقبة وظيفية ، قبل ان نقع في الفخ حسب الفيلم الشهير للفنان المصري عادل امام واظنه فيلم مرجان احمد مرجان وهو بالمناسبة يحاكي الفكرة التي نتحدث عنها ، وصارت الادارة تتراجع وانحدر منسوب الخدمة العامة وتراجعت البنية التحتية كما شاهدنا الخميس الماضي وقبله وقبله .
الازمة بدأت عندما بات المنصب الثاني او القيادة الوسيطة متحرك وليس ثابت كما في التجربة الاردنية الراسخة ، فكل وزير يأتي بطاقمه الاداري والتنفيذي وبات منصب الامين العام حق للوزير في تعيينه وليس ضمانة تنتفيذية لسياسته او سياسة الحكومة ، ففقدت الوظيفة الوسيطة عنصر الامان والاستقرار والأمن الوظيفي وتقلصت صلاحيتها ولم نعد نسمع بالامين العام الذي عمل مع وزراء كُثر او السكرتيرة التي غيرت ١٤ وزيرا والامر ينسحب على باقي الوظائف والتراتبية ومن باب التذكر نستذكر كيف ان وكيل امانة عمان مثلا أخرجته الطواقم من احد المناهل وهو يقوم بتنظيفها وكيف ان الوكيل وطاقمه كانا محور العمل التنفيذي كما الامين العام ومساعديه في الوزارات وكما امين سر مجلس الوزراء والقوائم تطول .
فكرة التكنوقراط يمكن تثقيفها واخضاعها للشروط والاشتراطات الادارية الاردنية وليس نقلها كما هي عن تجارب مغايرة للتجربة الاردنية بدليل ان وزراء التكنوقراط الناجحين هم الوزراء الذين انتجتهم البيروقراطية الاردنية وليس العكس ومثال سلامة حماد وحازم الناصر يدعمان ذلك ، على عكس التكنوقراط الذي انتجتهم القطّاعات الخاصة والاعمال الشخصية الناجحة او الفاشلة ونحن مررنا بالتجربة مع النمطين ، فكل ناجح في قطاعه استثمرناه في الوظيفة العامة وكذلك الفاشل منهم والنتيجة كانت متساوية لان المحركات الدافعة في القطاع العام مختلفة عنها في القطاع الخاص وأثر القرار على شركة ليس كأثره على وطن او محافظة .
الادارة الوسيطة او الوسطى او الصف الثاني هم مركز النجاح ونقطة الفشل وكلما ادركنا ذلك اقتربنا من المعالجة الصحيحة للحالة الوطنية التي تأذت من عدم الامان الوظيفي وتأذت من ظاهرة الهبوط بالمظلة على الموقع العام وتحديدا الموقع الوسيط واسترداد النجاح يكون بالعودة الى الاستقرار وعدم اخضاع القيادة الوسطى لمزاج المسؤول الاول او المزاج السياسي ومن يراجع التجربة الاردنية والواقع الحالي سيكتشف اسباب النجاح وسيعرف اسباب الفشل وكلاهما متمركز في الحلقة الوسيطة ومن يراجع تجربة نجاح مؤسسة او تجربة مدير او وزير سيكتشف ان سر نجاحه كان في الحفاظ على دور ووظيفة الحلقة الوسطى .