بهدوء – عمر كلاب – تتغير وسائل التواصل والاتصال , وتتطور ادوات القياس والتحليل , لكن النكتة تبقى وحدة اساس وقياس للمزاج العام ,منذ ان منحها الراحل جمال عبد الناصر هذه القيمة والتأكيدات تتعاظم على ضرورة قراءة النكتة وتفكيك جذرها لمعرفة حقيقة التفاعل المجتمعي معها , فقراءة مضمونها وجوهرها , قادر على منح اي سياسي او مراقب حقيقة المزاج الشعبي , ومقياس رضاه من غضبه , واندياح النكتة في المجتمع الاردني , تحتاج الى قراءة واعية , دون الاستكانةلكونها اشارة على خفّة دم مجتمع يراوح مكانه بين البداوة وقليل من الفلاحية والمدنية .
النكتة الاردنية اليوم مليئة باشارات التطرف والعنف , والاسترخاء او الاستلقاء على الظهر من الضحك على بعض هذه النكات لا يعني خلوّها من العنف والتطرف , تحديدا في العلاقة بين الرجل والمرأة وانعكاس ذلك على معدل ارتفاع جرائم الأسرة , فقد سادت مواقع التفاعل الاجتماعي والتواصل الافتراضي , نكات قاسية تتحدث عن نتيجة العنف بين النشامى والنشميات واخر النتائج حسب النكات , التعادل بين الجنسين , طبعا المباراة بين الجنسين في ملعب الايذاء البليغ والقتل , فكيف لمجتمع يتحدث بكل مفردات الطهارة والنبوة على المواقع التواصلية ان ينحاز الى نكات متطرفة ؟
السؤال واجب الاجابة من دوائر صنع القرار الرسمي على كل المستويات , ويجب ان يتشكل فريق في مركز ادارة الازمات لتحليل النكات كمؤشر على التفاعل المجتمعي والسلوك البشري في وطن يتوسط النيران الاقليمية ويسعى بعض افراده الى اشعال النار في اجسادهم والجسد الوطني , سواء باثارة النعرات او الاشاعات او ترديد ما تقوله ابواق خارج الجغرافيا دون اقل تمحيص , ولا يكاد يخلو نقاش من استدلال او توكيد مصدره احد الناعقين خارجا او احد اتباع مراكز صنع الاعتقاد الداخلية والخارجية , مع نفي لاي منطق تحليلي او عقل تفكيكي قادر على نسف القصة من داخلها .
خلال موجة العنف الأسري , اجتاحت مواقع التواصل الكثير من النكات , وكلها في مضمونها متطرفة وفيها تعصب للجنس , فالذكور ناصروا المرأة على ارضية انها قليلة حيلة وضلع قاصر وتحت وصاية الذكر , وكان القاطع الانثوي على نفس المستوى من التطرف مع حوادث العنف ضد الذكور , فالتبرير كان سيد الموقف , وبأن الانثى دافعت عن نفسها ضد موروث من القهر الذكوري , وحتى الجهات او التكوينات التي حاولت الدفاع عن ضحية عنف ذكوري حمل صفة زوج , خرجت عن مقاصدها وكشفت عن خبايا لا تحتملها مأساة تدمير حاسة البصر .
التطرف والعنف افضيا الى التعصب , الذي بات سمة الحوار المجتمعي , وسلوك سائد انسحب على كل التفاصيل الحياتية , فكل تكوين بات متعصبا الى رأيه وفريقه حتى لو كانت الضلالة تتفجر من بين الاسنان وتحت اللسان ولا يرى في التكوين المخالف اكثر من كيان فائض عن حاجة الحياة والدنيا بمجملها , فنحن نرى تأييد القتل والسفح ضد مجموعة بشرية بحجة انها مدسوسة او خائنة فيما نرى تأييدا لمجموعة اخرى تنشد نفس المطالب حملت اسم ثوار او حراكيين او ما شئت من اسماء , فالقاسم المشترك هو الموقف المتعصب حيال هذه الجهة سلبا او ايجابا .
النكتة باتت عنوانا للتطرف والتعصب وعنيفة التكوين والدلالة في مجتمعنا , فما بالكم بالخلاف في الرأي او الرؤية وقبلهما خلاف على اولوية في الطريق ؟ صمت الجهات الرسمية والاكاديمية والسياسية مريب وخطير وكأنه فرح لمجتمع يسير نحو حتفه .
omarkallab@yahoo.com