مرايا – بهدوء :عمر كلاب -في كل مرة يتعاظم الحديث فيها عن فساد رسمي , تاتي اصوات لتتحدث عن فساد جمعي ,يقوم به المواطن البسيط , تبدأ من بيعه لصوته في الانتخابات ولا تنتهي عند القاء القمامة من نافذة المركبة او تركها في الحدائق والمتنزهات العامة وليس آخرها المنظر المرعب لمخلفات المتنزهين في حديقة الملك عبد الله الثاني شرقي عمان , مرورا بسعي المواطن الى الواسطة والمحسوبية وطلبه التعدي على حق مواطن آخر سواء في الوظيفة او في حذف مخالفة السير ووضعها على مواطن آخر .
تستمع الى عشرات القصص والحكايا عن فساد المجتمع , وترى ايضا انماطا من هذا الفساد , المدعوم اجتماعيا والمحروس بنظرة انانية تقول انا ومن بعدي الطوفان , وعند ادنى مراجعة او مناقشة , يسرد على مسمعك حكايا الفساد الرسمي واثراء المسؤولين وطبعا بأدلة شفاهية مسنودة بانتقال المسؤول من خانة العادية الى خانة الرفاه بعيد شهور على ابعد تقدير من استلامه المنصب , فالحقيقة الاخلاقية اقوى مجتمعيا من الحقيقة القانونية , حتى لو ثبتت براءة المسؤول قضائيا .
دون شك امراض المجتمع تتعاظم , والدليل ارتفاع حجم الجرائم وتردي الخدمة وانتشار الاكراميات والرشاوى في مؤسسات الخدمة العامة وحتى في الخاصة منها , وارتفاع الغضب والعتب والتبرم , الذي سرعان ما يهوي في اول جمعة سوداء او بيضاء , او مشروع بورصات وهمية او تعزيم , حيث تظهر الاموال والمدخرات وسط غياب لاي احصائية رسمية تُعين على فهم الحالة ومناقشتها , فحتى اللحظة لم تكشف اية جهة احصائية عن تعداد اصحاب الودائع في البنوك الاردنية والتي تلامس حواف الاربعين مليار دينار , لنعرف مدى تركز الثروة من عدمها كما تقول الألسن .
عدم الرضى بات حالة عامة ومن مختلف الطبقات والمستويات , والحديث الشفاهي يطغى على اية معلومة اقتصادية او سياسية , ورسم الخيال الشعبي الاف القصص وبات اقل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل نقدا حتى لو كان كاذبا جدير بالمتابعة والملاحقة والتعميم , فعدد المعارضين في الخارج رغم تحفظي على التسمية لا يصلون الى عدد اصابع اليد الواحدة ومع ذلك نجحوا في استثمار حالة عدم اليقين والرضى في اوساط المجتمع وحققوا انتشارا واسعا اضافة الى دخل مالي يغنيهم عن العمل , بل ان عملهم بات انتاج الفيديوهات لتحقيق عوائد من مواقع التواصل الاجتماعي .
الواضح ان الاوساط الرسمية والمجتمعية الوازنة لم تجد بعد الحلول وادوات الصد لهذه الامراض الاجتماعية , بل على العكس في كل مرة تتقدم بها هذه الاوساط للحديث او المعالجة تتكسر مجاذيفها ويتم نسف اقوالها من اول لحظة , لسببين رئيسين اولهما ان كل هذه المعالجات لم تتفهم الاسباب والثاني ان رجالات الحكم السابقين سرعان ما ينقلبوا الى مشاكسين ولا اقول معارضين وينثرون كل معلوماتهم على الفضاء الاجتماعي بما يمكن وصفه حالة وعي بأثر رجعي ولكنه في الحقيقة حالة تصفية حساب مع المؤسسة الرسمية .
علينا ان نعترف بأن هناك فجوة معرفية تقوم بتغذية ازمة الثقة في كل منطوق رسمي , فمعظم ادوات السلطة تنقصها المعرفة بتخصصها وبالمجتمع الذي تعمل في رحمه وفي فضائه , وثمة اقصاء متعمد للسياسي وللاقتصادي السياسي , لحسابات متعددة وتشي بسطوة على السياسي والمهني المنهجي , وثمة تقديم لما يستوجب التأخير في والاولويات والشخوص , ودون معالجة هذه الفجوة لن تتحقق الثقة , لأن الانجاز ببساطة منعدم , ولا شيئ يرفع الثقة الا الانجاز .
omarkallab@yahoo.com