مرايا – كتب : المحامي ماجد ابراهيم الدباس
على ضوء صدور قرار مجلس الوزراء بتفعيل احكام قانون الدفاع الاردني رقم (13) لسنة 1993 موشحاً بالارادة الملكية السامية ، ونظراً لما يمر به بلدنا العزيز من ظروف استثنائية طارئة ، وذلك لحماية الدولة بكافة عناصرها من شعب واقليم وسلطة سياسية من الخطر الداهم والذي يتمثل بالوباء العالمي الذي يدعى فايرروس كورونا (COVID-19) ، فانه من المتوجب على عاتقي كمحامي وكباحث قانوني ان ابين بعض الضمانات القضائية لحماية حقوق الانسان في ظل نفاذ قانون الدفاع المشار اليه.
جاء بنص المادة (124) من الدستور الأردني لسنة 1952 وتعديلاته ما يلي : “إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء”.
إن قانون الدفاع هو إحدى القوانين العادية التي يتعلق إنفاذها على تحقق ضرورة الدفاع عن الوطن بكافة مقوماته، فهو قانون يصدر عن السلطة التشريعية ويتطلب انعقاد مجلسها سواء بدورة عادية أو غير عادية خلافا لما هو الحال بالقوانين المؤقتة، بحيث أن قانون الدفاع هو من القوانين التي تنضم لمنظومة القوانين الدائمة للدولة، وان ما يميزه عن القوانين العادية هو الشروط المحيطة بنفاذه، لاسيّما والشروط الشكلية التي تقتضي إصدار قرار من مجلس الوزراء ويليه إصدار إرادة ملكية بتفعيله، وانه قانون يغلب عليه صفة التأقيت من حيث نفاذه، بحيث يتم نفاذه في ظلّ حالة الطوارئ ويتوقف العمل به بزوال تلك الظروف، وان مسالة تعديل بنوده تخضع للإجراءات التشريعية المعتادة، فقانون الدفاع هو قانون يقترن بتوافر حالة الطوارئ التي تقتضي الدفاع عن الوطن.
وفقاً لقانون الدفاع الأردني لسنة 1992 فإن المحاكم في ظل نفاذه تبقى قائمة ومصونة كما هو الحال في ظل الأحوال الاعتيادية، فمعاقبة الأفراد على مخالفة أحكام قانون الدفاع وفقا لنص المادة (6) منه إنما تتم من خلال محاكمة اعتيادية أمام محاكم البداية مما يدل على انعقاد اختصاص المحاكم النظامية في ظل حالة الطوارئ التي يقتضيها تفعيل قانون الدفاع، حيث جاء بنص المادة سالفة الذكر:” تختص محاكم البداية بالنظر في الجرائم التي ترتكب خلافاً لأحكام هذا القانون وأوامر الدفاع الصادرة بمقتضاه”.
وكذلك فقد تناول قانون الدفاع الأردني لسنة 1992 حالات خاصة يكون فيها القضاء الفيصل في المنازعات الدائرة بين الأفراد والدولة بشان القيود الواردة على حرياتهم وحقوقهم، تدليلاً على وجود القضاء في ظل تلك الحالة وانعقاد صلاحياته الدستورية.
وقد أرسى قانون الدفاع الأردني لسنة 1992 العديد من الضمانات التي من شأنها تعزيز دور القضاء في الرقابة على حقوق الإنسان، والتي أهمها:
1- حق الطعن بالأمر :
حيث أباح المشرع بنص المادة (8/أ) من قانون الدفاع الأردني لسنة 1992 لأي شخص سواء بصفته المتضرر أو بصفته صاحب المصلحة جرى توقيفه أو القبض عليه أو الاستيلاء على أمواله و أموال الغير أو وضع اليد عليها الطعن بذلك الأمر لدى محكمة العدل العليا(المحكمة الإدارية حالياً)، ومؤدى ذلك استمرارية عمل المرفق القضائي في ظل حالة الطوارئ بما يضمن استمرارية تفعيل رقابة القضاء على أعمال السلطة التنفيذية.
وعليه اجد أن حق الطعن بالأمر وفقاً لقانون الدفاع الأردني لسنة 1992 بوصفه ضمانة من ضمانات حقوق الإنسان في ظل إعلان حالة الطوارئ يشمل محاور أساسية دون غيرها تنصب حول القيود الواردة على الحرية الشخصية وحق الملكية اللذان يشكلان دعامة لحقوق الإنسان وحرياته التي حرصت على تكريسها الدساتير والعهود والمواثيق الدولية، حيث أن المشرع الأردني قد اعتبر الأوامر التي تنال من تلك الحقوق من قبيل القرارات الإدارية القابلة للطعن أمام محكمة العدل العليا(المحكمة الإدارية حالياً) وفقاً للأصول العامة، وان كانت تصرفات الحكومة بطبيعتها عِند إعمال تلك القيود قد تَدخُل في إطار الأفعال الجرمية في ظل الأوضاع الاعتيادية، لاسيّما وحجز الحرية وكذلك غصب المال والتعدي عليه المعاقب عليه في ظل الأوضاع العادية، ومغزى ذلك انه في ظل إعلان حالة الطوارئ التي يقتضيها تفعيل قانون الدفاع تكون أفعال الحكومة مباحةً بأصلها ولا تحاسب الحكومة سوى عن تعسفها في استخدام تلك الصلاحيات، وما تجاوزته في إنفاذها من القواعد والأصول القانونية التي يتطلبها أي قرار إداري يتجه نحو تحقيق المصلحة العامة.
فالقرارت المتخذة في ظل حالة الطوارئ بطبيعتها قرارات عامة وجماعية تشمل مجموعة من الأفراد، وليس شخصاً بعينه، لذا يغلب عليها الطابع الإداري، وقد ينجم عن ذلك التقرير بإلغاء ذلك الإجراء بحق المتضرر وإعادة الحال إلى ما كان عليه، متى ثبت للمحكمة أن ذلك الإجراء لا ينطوي على مسبباته هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النص القانوني سالف الذكر يجعل من الإجراءات المتخذة في ظل إعلان حالة الطوارئ يتحتم عليها استيفاء ذات الشكلية المطلوبة في أي قرار إداري آخر، الأمر الذي يجعل من ذلك النص ضمانة ناجعة تؤكد على كينونة القضاء في ظل تلك الظروف، وبالتالي الحفاظ على حريات الأفراد وحقوقهم لاسيّما حقوقهم بالتملك والحرية الشخصية.
وتأكيداً على المبادئ الدستورية التي ترعى حقوق الإنسان وحرياته، اجد أن نص المادة (8/ب) من قانون الدفاع الأردني لسنة 1992 قد حمل ضمانةً أخرى شأنها التأكيد على شمولية حق التقاضي في ظل إعلان حالة الطوارئ التي يقتضيها تفعيل قانون الدفاع، لاسيّما في ظل فرض القيود على الحرية الشخصية وحقوق الملكية في كل ظرف على حدا، من حيث التأكيد على حق الأفراد بالتظلم أمام القضاء نتيجة تعسف السلطة التنفيذية بفرض تلك القيود والتأكيد على ضرورة الفصل بالنزاعات المتعلقة بها على وجه السرعة نظراً لما تقتضيه طبيعة الاستعجال التي تنطوي عليها حالة الطوارئ، حيث جاء بنص المادة سالفة الذكر ما يلي:” على المحكمة أن تفصل في الطلب على وجه السرعة ولا يحول القرار الصادر عن المحكمة برد الطلب دون اللجوء إلى تقديم طلب جديد المرة بعد الأخرى طالما بقي الأمر المطعون فيه قائماً”.
2- حق التقاضي للحصول على تعويض جراء تصرفات الحكومة :
حيث جاء بنص المادة (9) من قانون الدفاع الأردني لسنة 1992 ما يلي: ” لكل من كلف بأي عمل أو أداء أي خدمة أو تقديم أي مال ولكل من تم الاستيلاء على ماله أو وضع اليد عليه أو نقله أو إتلافه ولكل من اتخذ بحقه أي إجراء بموجب هذا القانون أو أي أمر أو تكليف صادر بمقتضاه الحق بالتعويض ولرئيس الوزراء أن يحدد مقدار التعويض وان يقرر تأديته عن أي مال أو عمل أو إجراء خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من تقديم الطلب بالتعويض على أن يكون للمتضرر في حال عدم موافقته على القيمة المقررة للتعويض الحق بإقامة الدعوى لدى المحكمة المختصة للمطالبة بالتعويض العادل المترتب له وفقاً لأحكام القوانين النافذة المفعول”.
فقد أرسى المشرع الأردني ضمانة قضائية للأفراد تتمثل في حقهم باللجوء للقضاء النظامي بمواجهة الدولة لمطالبتها بالتعويض عن أية أضرار مادية أو معنوية أصابتهم جراء القيود التي فرضتها الحكومة على حرياتهم وحقوقهم، سواء بموجب نص قانون الدفاع أو بموجب أي إجراء أو أمر أو تكليف صدر بمقتضاه، لاسيّما وتلك الأوامر التي من شأنها تكليف الأفراد بأي عمل أو أداء أي خدمة أو التي من شانها الاستيلاء على أموالهم أو وضع اليد عليها أو نقلها أو إتلافها، بحيث اشترط المشرع على الفرد اللجوء إلى رئاسة الوزراء لطلب التعويضات جراء تلك الأفعال وأعطى الحق لرئيس الوزراء لتحديد التعويض المناسب دون سلب الفرد من حقه باللجوء إلى القضاء في حال لم يجد ذلك التعويض عادلاً، وفي ذلك تأكيداً على مبدأ استقلالية القضاء حتى في ظل إعلان حالة الطوارئ، على نحو تكون به صلاحية رئيس مجلس الوزراء بهذا الشأن مجرد صلاحية توفيقية ليست من شأنها سلب القضاء سلطاته.
وتعتبر تلك الضمانة من أهم الضمانات القضائية في ظل إعلان حالة الطوارئ، لكونها تجعل الحكومة تتأنى في اتخاذ القرارات التي قد يكون شأنها تكبيد الخزينة تعويضات تفوق قيمتها جسامة الأخطار المحدقة المحيطة بالدولة، بحيث لا تكون القيود المفروضة على حقوق الأفراد وحرياتهم سوى بقدر الضرورة الفعلية وبمثابة الوسيلة التي لا تملك الدولة سواها للتصدي لحالة الطوارئ، فحقوق الإنسان منها ما هو طبيعي ومنها ما هو أصلّي لا يجوز فرض القيود عليه، سوى بما يحقق الصالح العام فحسب، ووفقاً لمعايير ذات رقابة دولية ومجتمعية.
سائلين الله عز وجل ان يحمي بلدنا العزيز من كل مكروه ، وان تمر هذه الازمة مرور الكرام وكأن لم تكن، وحمى الله الاردن وطناً عزيزاً ترعاه عناية الرحمن، وحمى الله اجهزتنا وكوادرنا الامنية والصحية درعاً حصيناً وخط الدفاع الاول في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله وررعاه.