مرايا كتب : محمد المومني – ذهب البعض إلى أن وباء كورونا يعد حرباً كونية ثالثة بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى في محاكاة للحربين العالميتين الأولى والثانية. يستند أصحاب هذا الرأي للتلاسن بين الدولتين وكيل الاتهامات في أحيان، وإلى الطريقة الناجحة التي تعاملت فيها الصين مع وباء كورونا مقارنة بالطريقة غير الناجحة لإدارة الرئيس ترامب، كما يستندون للتنافسية الاقتصادية والتجارية بين البلدين التي كادت تصل لحرب تجارية تقوض أسس النظام الاقتصادي العالمي في عصر العولمة وفلسفته في الاعتماد الاقتصادي المتبادل التي قيل إنها ما منع قيام حرب عالمية ثالثة بعد الثانية.
هذا كلام، وإن سر البعض سماعه ممن لا يزالون يعيشون بعقلية الحرب الباردة، إلا أنه يخلو من المنطق الناظم للسياسة الدولية، ولا يتماهى مع فهم دقيق لمنظومة العولمة التي زاد زخمها إثر ثورات النقل والاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وأخيرا الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الصناعي. في عهد الثورة الصناعية الرابعة، لا يوجد خاسر ورابح في أي مواجهة اقتصادية كونية، فإما أن يربح الجميع أو أن يخسر الجميع. تقدم الصين الاقتصادي وتفوقها وزيادة وتيرة ابتكاراتها لا تعني بالمطلق أن ذلك سيكون على حساب الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا اليابان ولا غيرها، بل يمكن القول إن العكس هو الصحيح، لأن هذه الدول التي ترتبط بحالة اشتباك واعتماد متبادل مع الصين مستفيد طبيعي ورئيسي من تقدم الصين لأن ذلك معناه أنها هي أيضا ستتقدم وتستفيد وإن بوتيرة أقل من الصين. هنا تكمن عبقرية نظرية الاعتماد الاقتصادي المتبادل، فقد حولت الأعداء المتحاربين لحلفاء، مصالح أحدهم تعد بديهيا وطبيعيا مصالح للآخرين، والهجوم على أحدهم هجوم على الجميع المستفيدين من قوة ونماء بعضهم بعضا.
تخيلوا فعلا أن ينهار النظام الاقتصادي الصيني، هذا معناه أن كافة العلاقات الاقتصادية المعقدة لدول العالم مع الصين ستنهار وتتأثر، ما سيرتب خسارة اقتصادية على تلك الدول وعلى منظومة التفاعل الاقتصادي الدولي القائمة على مجموع غير صفري للعلاقات والفوائد المتبادلة، استفادة الجزء فيه تتضمن فائدة للجميع. أول من سيدافع ويحاول إيقاف انهيار النظام الاقتصادي الصيني هو أميركا وأوروبا واليابان، ليس حباً بالصين ولا شفقة عليها، بل لأن هذه الدول الشريكة اقتصاديا للصين ستتضرر بشكل بالغ جراء انهيار النظام الاقتصادي الصيني. هذه قواعد العمل واللعب في عهد العولمة والاعتماد المتبادل القائم على التنافسية والانفتاح والبقاء للأجود، فنماء واستقرار هذه المنظومة الدولية مصلحة لجميع الأطراف الفاعلة فيه والمستفيدة منه.
لا حروب عالمية ثالثة بين أقطاب جميعها مستفيد من المنظومة الكونية الاقتصادية فلا مصلحة لأي منها بذلك، والمستقبل سيشهد مزيدا من المنظمات الدولية العابرة للدول التي ستعنى بتنظيم قواعد العمل الدولي بما يحقق الرفاه للبشرية. الرابح من هذا النظام هو الدول القادرة على التفاعل معه والانصياع له التي ستتمكن من تقديم أداء اقتصادي يفرض نفسه على الجميع.