مرايا – منذ أعوام وقطاع الزراعة يعاني من تفاقم مشاكله، لكن الحقبة الأخيرة، كشفت عن الكثير من المآزق التي يعيشها، إذ يوشك على الانهيار التام، لتأتي الحكومة مؤخرا، بقرار بفرض ضريبة مبيعات 10 % على منتجاته وأخرى على مستلزمات إنتاجه.
ويرى معنيون بالقطاع ومختصون بشأنه في أحاديث لـ”الغد” أن الحكومة “أهملت الزراعة في الفترات الماضية، ما أسهم بتفاقم مشكلاته، مع أنه أحد ركائز النهضة الحقيقية للمجتمع”.
ولفتوا الى أن “الزراعة لم تعد مجدية في الاردن، وطاردة للمزارعين قبل المستثمرين، فالمزارعون هجروا الأرض، وذهبوا للبحث عن أعمال أخرى، وتضاءل حجم الانتاج الزراعي، وتراجعت زراعات رئيسة”.
وقالوا “إن ذلك سيفاقم المشاكل الاقتصادية، لانه سيحدث عجزا في توفير متطلبات شعب يأكل أضعاف ما ينتجه”، موضحين أن “فرض الحكومة للضريبة، ضربة قاضية للقطاع”، داعين للاهتمام بالمزارع، وتحفيزه ودعمه وتشجيعه للعمل ورفع المعاناة عنه”.
واوضحوا أنه “إذا كانت الحكومة؛ اتخذت في الأيام الماضية إجراءات لدعم المزارعين، فإنها غير كافية، ويجب أن تتبعها خطوات وإجراءات أكثر فاعلية للوقوف الى جانبه وحمايته”.
ويترقب مزارعون معتصمون امام مجلس النواب في ظل طقس متقلب منذ 23 يوما، أن تتوجه حكومة الدكتور هاني الملقي لإلغاء الضريبة، والدفع باتجاه مزيد من الحوافز الانتاجية الجديدة، للنهوض بالقطاع، ما يسهم برفد الموازنة والحد من استيراد المنتجات الزراعية، وتشغيل اليد العاملة، وتحفيز السوق.
نقيب المهندسين الزراعيين محمود ابو غنيمة؛ وصف فرض الضريبة على القطاع بـ”الضربة القاضية”، مبينا أن “أوضاع المزارعين أساسا سيئة، ويعانون من تحديات وصعوبات؛ أكان في التصدير او الانتاج او العمالة الوافدة وغيرها، فجاءت الضريبة لتكمل عليه”.
واضاف لـ”الغد” قائلا “اننا ندرك صعوبة الوضع المالي والاقتصادي، ورغبة الحكومة في دفعنا للاعتماد على الذات، لكن هذا القطاع متهاو بدون ضرائب”.
وأوضح أن ما تسعى له الحكومة من تحصيل لأموال الضرائب على الزراعة، لن تتمكن من تحصيله، لانعكاس ذلك سلبا على الانتاج والتسويق، وبالتالي على المواطن صاحب الدخل المحدود، والقدرة الشرائية المتهاوية.
بدوره؛ قال رئيس اتحاد المزارعين محمود العوران، إن “الحكومة لا تريد ان تسمع أو تناقش أو تتحمل أي مسؤولية، فتوقيت فرض الضريبة تزامن مع إغلاق الحدود العراقية بوجه صادراتنا الزراعية، وتزامن مع دخول الرزنامة العراقية وحماية المنتج العراقي من قبل حكومة العراق”.
وأكد العوران أن “المزارع لا يمكنه الاستيراد إذا استمرت الحكومة بقرارها غير القانوني، في ظل ما يدفعه المزارعون من ضرائب، فإنه لا يوجد حد أدنى للأسعار، ولا تحديد لسعر البيع، ناهيك عن سرعة تلف المحاصيل الزراعية، وعدم القدرة على التخزين”.
واشار الى أن نتائج القرار المباشرة، تتمثل بـ”الحد من استخدام التقنيات الزراعية ووقف تداولها ونقلها، وفقدان الأردن للأسواق وخروجه من المنافسة فيها، ووقف الاستثمار في القطاع، والقضاء على اقتصاد الاسر الصغيرة، وارتفاع اسعار السلع والمنتجات الزراعية والغذائية، واغلاق ما بقي من شركات زراعية صغيرة ومتوسطة، بعد خروج الشركات الكبيرة منذ فترة”.
ومن تبعات القرار ايضا، أضاف العوران “القضاء نهائيا على صغار المزارعين، وزيادة نسبة الفقراء، ورفع منسوب الهجرة الداخلية او ما يسمى بالتهجير الطبقي، وتدمير ما بقي من البيئة ومواردها، وزيادة المستوردات الغذائية، وارتفاع عجز الميزان التجاري”.
وبين أن “القطاع يتعرض لخسائر كبيرة، وان قلة من المزارعين يحققون أرباحا، في حين أن غالبية المزارعين تلاحقهم الديون، جراء تدني اسعار منتجاتهم”.
وزير الزراعة خالد الحنيفات؛ اكد لـ”الغد” “عدم التراجع عن قرار فرض ضرائب على مدخلات الإنتاج الزراعي؛ نتيجة أوضاع المملكة الاقتصادية الصعبة، ولأن العلاج مرّ وفق قوله، ولدينا اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي”.
وأضاف الحنيفات أن “الحكومة لديها التزام مع الصندوق الدولي، وهناك مؤسسات اقتصادية دولية تؤسس لعلاج اقتصادنا، لأننا نعاني من ظروف إقليمية صعبة”، موضحا ان مندوبا من الصندوق، سيزور الأردن الفترة المقبلة، وسيناقش القرار مع الصندوق”، مؤكدا عدم وجود أي إشكال إن حضر مزارعون وأعضاء من اللجنة الاقتصادية اللقاء، فهذا الأمر لا ينقص من سيادة الأردن.
ولفت الحنيفات الى ان صادراتنا سجلت نسبة انخفاض 1.8 % مقارنة بالعام 2016 ، وبلغت نحو 803 ملايين دينار العام الماضي، ليشكل ذلك 18 % من الإجمالي للعام نفسه، وفق الأرقام الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة.
وأوضح الحنيفات؛ أن صادرات المنتجات الزراعية الطازجة بشقيها النباتي والحيواني العام الماضي، بلغت 564 مليون دينار فوصلت من الأغنام الحية والمنتجات الحيوانية الأخرى الى 160 مليون دينار، ومن الخضروات والفواكه والنباتات الأخرى 404 ملايين دينار، مسجلة نسبة انخفاض عن مثيلاتها عام 2016 وصلت الى 1.1 %.
أما بالنسبة لصادرات الصناعات الغذائية، التي تعتمد على منتجات القطاع، فبلغت العام الماضي 238 مليون دينار، مسجلة نسبة انخفاض عنها في العام 2016 بلغت 3.3 %.
وعزا الحنيفات انخفاض الصادرات الزراعية للتحديات الاقليمية والاغلاقات الحدودية المتتالية، “ما أفقدنا أسواقنا الطبيعية، وعقد الوصول لأسواق بعيدة جغرافيا، جراء ارتفاع أجور النقل وطول الطرق البرية والبحرية، وانتفاء الجدوى الاقتصادية للوصول الى دول لا ترتبط بحدود مشتركة مع الأردن”.
ولفت الى أننا فقدنا الأسواق القطرية، التي كنا نصدر إليها نسبة كبيرة من منتجاتنا الزراعية الحيوانية والنباتية والمواد الغذائية، المعتمدة على هذه المنتجات.
وأكد وزير الزراعة؛ أن مستورداتنا الزراعية العام الماضي انخفضت 11 % عما كانت عله العام 2016، إذ وصلت الى 1.636 مليار دينار العام الماضي، وبلغت العام 2016 نحو 1.839 مليار دينار، محققة وفرا ماليا من العملات الصعبة بلغ 203 ملايين دينار، ما أدى لخفض في العجز التجاري الزراعي.
وأوضح أن مستوردات العام الماضي، حققت انخفاضا بـ6.4 % عما كانت عليه العام 2016، بسبب جهود الوزارة المتواصلة لتحقيق اكتفاء ذاتي من الزراعة المحلية النباتية والحيوانية وصناعاتهما.
واكد الحنيفات أن الوزارة ماضية بواجبها لحماية ودعم الزراعة المحلية في ظل التحديات الاقليمية التي تؤثر على مختلف القطاعات الانتاجية الأردنية، ووصولها للأسواق الدولية.
عضو نقابة الأطباء البيطريين والناطق الاعلامي باسم لجنة الدفاع عن المزارعين رعد الرواشدة، قال إن “القانون يلزم كل مزارع مجموع مبيعاته السنوية 75 الف فأكثر، بالخضوع لضريبة المبيعات”.
ولفت الى ان ذلك يعني ان المزارع الصغير الذي رأس ماله 13 الف دينار ويربي الدواجن في مزرعة صغيرة بنحو 6 آلاف طير، او مربي أبقار يمتلك 15 رأسا، يخضع للضريبة وعليه عبء حفظ فواتير، بطاقة صنف، تقديم إقرار ضريبي إلكتروني ست مرات سنويا، وفي حالة وجود أي خطأ، يتحمل غرامات تساوي ضعفي الخطأ، فغالبية المزارعين الصغار بثقافتهم البسيطة، لا يمكنهم إنجاز ذلك، وبعكسه تعتبر هذه الفئة متهربة ضريبياً، وتطبق عليها الإجراءات القانونية”.
في المقابل؛ أعفيت مزارع انتاج البيض الطازج المجفف والسائل في عبوات، من ضريبة المبيعات، بينما خضعت مدخلات انتاج البيض المحلي لضريبة الـ10 ٪، واذ تشكل مستلزمات الانتاج 80 ٪ من تكلفتها، فهذه الضريبة تزيد من تكلفة الانتاج بواقع 8 ٪.
واضاف “بينما البيض المستورد (المجفف والسائل في عبوات)، لا يحتمل هذا العبء في الدول المنتجة له، فإننا بهذا ندعم المنتج الأجنبي المستورد على حساب المحلي”.
مزارع الدواجن اللاحم التي تنتجها الشركات الكبرى المتكاملة، معفاة من الضريبة، بينما يخضع الدجاج الحي الذي ينتجه المزارعون الصغار لضريبة الـ10 ٪ (عدلت مؤخراً الى 4 ٪)، ويخضع الدجاج المجمد والمقطع لضريبة 4 ٪.
وبتحليل ذلك، فإن مدخلات انتاج لحوم الدواجن (أعلاف…) “تخضع لضريبة
الـ10 ٪ ، لتشكل 80 ٪ من تكلفة الانتاج، وبهذا تشكل تكلفة إضافية على المنتج المحلي بواقع 8 ٪، مقارنة بالمستورد المجمد والمقطع الذي يدفع 4 ٪؛ علماً بأن المزارع الصغير لا يمكنه التسجيل بالضريبة، فيتحمل عبئها على مدخلات الانتاج، ويعتبر متهربا ضريبيا لعدم امتلاكه إمكانيات لمسك دفاتر ضريبية، لذلك فالضرر واقع بزيادة الكلف على المزارع، وعدم تمكنه من رفع السعر، فالأسعار تتبع العرض والطلب، ولا يستطيع أي مزارع رفع سعر إنتاجه”.
الناطق باسم مربي واصحاب مزارع الأبقار مروان صوالحة، بين ان فرض
الـ10 % على القطاع “نهاية له”، متسائلا “لماذا لم تشكل الحكومة، لجنة لدراسة العبء الضريبي على القطاع، وما سينتج عن ذلك من تبعات خطرة؟”.
ولفت صوالحة؛ لـ”اعفاء مزارع أبقار الحليب، وفق الضريبة الجديدة (اعفاء الحليب الطازج وطويل الامد والمجفف)، بينما خضعت مدخلات انتاج الحليب (أعلاف، مستلزمات انتاج للمزارع المحلي) لـ10 ٪ مع ان المدخلات تشكل 80 ٪ من تكلفة الحليب، ما يرفع التكلفة 8 ٪ (10 ٪ من تكاليف المدخلات)، بينما الحليب المستورد (طويل الامد والمجفف، لا يحتمل هذا العبئ في الدولة المنتجة له)؛ وبهذا نكون قد دعمنا المنتج الأجنبي المستورد على حساب المحلي”.
ورأى صوالحة؛ ان “الاصرار على فرض الضريبة سينهي القطاع، بخاصة لصغار المزارعين إذ ان 30 رأسا من الابقار، يستهلك كل واحدة منها يوميا 33 كلغم من العلف، أي طن يوميا يبلغ سعره 360 دينارا، ومع
الـ10 %، يزيد سعر طن العلف 36 دينارا يوميا، لتبلغ الزيادة الشهرية 1250 دينارا، عدا عن الضرائب الاخرى التي فرضت على غير العلف كالمعقمات”.
واضاف أنه “يجب أن نعلم بأن الـ30 رأسا (منشف) أي لا تنتج الحليب، إذ تحتاج للتلقيح لتنتج، عدا عن المنافسة في تسويق الحليب الطازج الذي وصل سعر الكيلو منه لـ25 قرشا، بعد استبدال مصانع له بالمجفف، فكيف للمزارع بان يدفع 1250 دينارا شهريا في ظل هذه الظروف، وهذا بدوره يعقد استمرار القطاع”.
وأشارت دراسة اعدتها الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية مؤخرا، الى أن القطاع شهد في الاعوام السبعة السابقة، تدنيا لأسعار الخضراوات والفواكه نتيجة الاوضاع الاقتصادية، وعدم القدرة على التصدير، وتعرض لخسائر متلاحقة (مزارعين وشركات ومشاتل زراعية وتجار خضراوات وفواكه ومصدرين)، ما رفع من نسبة المزارعين المطلوبين للتنفيذ القضائي.
وتجاوز عدد المطلوبين قضائيا من المزارعين 40 %، عدا عن إفلاس شركات زراعية، وترك كثير من الأراضي بدون زراعة، وتسريح موظفين في قطاعات ذات صلة بالمزارعين من مصانع بلاستك وعبوات زراعية.
وبينت الدراسة، أن ارتفاع كلف الانتاج بنحو 25 %، سببه عدم توافر عمالة، وزيادة رسوم تصاريح العمل من 120 دينارا الى 520، وارتفاع كلف النقل لأكثر من 10 % لارتفاع اسعار المحروقات، وزيادة ديون الشركات والمصانع الزراعية لأكثر من 400 مليون دينار، وزيادة لديون شركات تسويق المنتجات الزراعية.
اما الآثار السلبية المتوقعة على القطاع، فجاءت نتيجة فرض ضريبة اضافية عليه، تتمثل وفقا للدراسة، بزيادة الاعباء المالية المترتبة على الشركات الزراعية، والتي تبيع المدخلات الزراعية بالآجل للمزارعين، ومعظم هذه الديون، لا تحصل إلا بعد مرور عام على الاقل؛ او اكثر.
وأوضحت ان نحو 20 % من هذه الديون، تعتبر معدومة لا تحصل، وبالمقابل يجب على هذه الشركات، توريد ما يترتب عليها من التزامات مالية للضريبة، ما سيؤدي لنقص سيولة وعدم مقدرتها على الاستيراد، وبالتالي لجوئها لتسريح الموظفين واغلاق شركات ومصانع زراعية.
وأشارت الى أن ذلك، سيؤدي لتهريب البذور ومستلزمات الانتاج من دول مجاورة، ما سيخلق سوقا سوداء، وهجرة لرأس المال العامل في القطاع للخارج، والاستغناء عن محلات ومستودعات مستأجرة من الشركات، تعود أغلبها لأسر ذات دخل محدود.
وتوقعت الدراسة ازدياد عدد المزارعين المطلوبين للقضاء، نتيجة ما يمر به المزارع من ظروف قاهرة، وانهيار تجارة المواد الزراعية، وما يتبعها من حلقات تسويقية، بدءا من تجار التجزئة والمشاتل وفقدان عاملي القطاع لوظائفهم، وانهيار شركات تسويق منتجات زراعية، لعدم مقدرتهم على الايفاء بالتزاماتهم المالية، وتسريح عاملين، وانهيار قطاع واعد في مجال انتاج البذور، والذي كان سيشكل نقله نوعية في مجال تطوير الصادرات الزراعية.
أما آثار رفع الضريبة المباشرة، فلخصتها الدراسة بهجرة المزارعين قسريا من القطاع، وزيادة عدد العاطلين عن العمل، وتفاقم المشاكل الاجتماعية والأمنية من (سرقات ومخدرات وجريمة)، وسهولة استقطاب العاطلين عن العمل والمطلوبين لجهات ذات أهداف إرهابية.